استحقت احترامى مرتين الأولى عندما استقالت والثانية عندما لم تتاجر بالاستقالة.. لا أتصور أن منى سلمان سوف تبوح للإعلام بأكثر مما كتبته على صفحتها الإلكترونية لتنهى رحلة عمرها 8 سنوات مع قناة «الجزيرة»، كانت واحدة من ألمع النجوم الذين تألقوا على أثير هذه القناة.
تابعت المذيعة السمراء ابنة الصعيد على مدى أكثر من 15 عامًا عندما بدأت خطواتها الأولى، بعد تخرجها فى كلية الإعلام، فى إذاعة الشرق الأوسط المصرية ثم انتقلت إلى القنوات المتخصصة التابعة لاتحاد الإذاعة والتليفزيون فى بداية إنشائها عبر محطتَى «الدراما» و«الثقافية» حتى استقرت فى «الجزيرة» وبعد ذلك كانت «الجزيرة مباشر» من القاهرة هى خطوتها الأخيرة مع «الجزيرة».
شكّلت ثورة 25 يناير بين مقدمى ومذيعى الفضائيات منعطفًا خطيرًا فى الفرز وأيضًا فى التلون، حيث إن القطاع الكبير من هؤلاء سارعوا بارتداء زى الثوار بينما كانت منى سلمان واحدة من قلائل زادتهم الثورة إصرارًا على مواصلة الطريق، فلقد كانت مواقفها معلَنة قبل الثورة ضد فساد مبارك وضد توريث الحكم لجمال، توافقت مشاعرها مع توجه القناة وكانت منى فى «الجزيرة مباشر» صوتًا إعلاميا هادئًا ورصينًا، حافظت على هدوء النبرة رغم الصخب الدائر حولها، كانت مشاعرها تحتضن الثورة ورغم ذلك حرصت على الأداء المهنى الذى يمشى على الأشواك من أجل الوصول إلى الحقيقة متجنبة استخدام سلاح الإثارة الذى صار هو العلامة التجارية لعديد من الفضائيات.
بعض الإعلاميين ضبط موجته على الثورة، لم تكن لديهم قبل الثورة مواقف ولا قناعات بل إن عددًا منهم كانوا ضالعين فى الدعاية والتمهيد للتوريث بحجة «وليه لأ، أليس جمال مواطنًا مصريًا»، هؤلاء رأيناهم أول من تغير 180 درجة وانقلبوا على مبارك والهانم وجمال وصفوت وعزمى وعز. شاهدت عددًا من هؤلاء وهم يتنقلون فى بداية الثورة بين ميدانَى التحرير ومصطفى محمود وعندما بات واضحًا أن مشاعر الناس تميل ناحية التحرير أصبحت إقامتهم الدائمة فى التحرير، بينما منى لم تكن أبدًا سوى مذيعة لديها موقف معلَن وموثَّق وجاءت الثورة لتحقق حلمها وتؤكد انحيازها إلى الحرية.
لم تذكر منى شيئًا محددًا فى الاستقالة ولكن من الممكن أن تقرأ إحساس مذيعة تريد أن يكون صوتها هو تحديدًا فكرها، «الجزيرة» تقف الآن مع مرسى الذى أصبح بينه وبين الثورة بحور أريقت فيها دماء بعد أن بات رهانه فقط على أهله وعشيرته.
منى أرادت التعبير عن نفسها بحرية أكبر من خلال منبر آخر يتوافق سياسيا مع قناعاتها، بعض مقدمى البرامج ينتقلون من قناة إلى أخرى بحثًا عن المرتب الأعلى لا التوافق السياسى. لا أدرى ما خطوة منى التالية ولكنى أتصورها الآن فى مرحلة التقاط الأنفاس، أنا موقن أنها لم تغادر «الجزيرة» من أجل إغراء مادى تلقته من قناة منافسة. «الجزيرة» منبر واسع الانتشار يحرص الإعلامى على البقاء تحت مظلته حتى لو كان هناك من يدفع أكثر لأن ما تحققه «الجزيرة» من كثافة فى المشاهدة يجعل الإعلامى يفكر ألف مرة قبل اتخاذ قرار المغادرة ولهذا لا يتبقى سوى أننا بصدد اختيار سياسى وفكرى.
سبق للمذيعين المصريين حافظ الميرازى ويسرى فودة وسوزان حرفى وحسين عبد الغنى أن انتقلوا من «الجزيرة» لقنوات مصرية وعربية لأسباب مختلفة وأطلّوا على المشاهدين من منابر أخرى، لدينا فى الحقيقة نموذج واضح هو الإعلامى الكبير حمدى قنديل تاريخه الإعلامى هو بالضبط يشكل ملامح لخريطة الوطن فى البحث عن حريته بدأ مع ميلاد التليفزيون المصرى بعد عامين من إنشائه عام 1962 ببرنامج «أقوال الصحف» وبعدها انتقل بعد بزوغ عصر الفضاء إلى محطة «ART» ثم عاد للتليفزيون المصرى وعندما لم تستطع الدولة أن تتحمله انتقل إلى «دريم» ثم قناة «دبى» وبعدها رأيناه فى رحلة قصيرة جدا إلى قناة ليبية تُبث من لندن، قبل الثورة بعامين ابتعد عن الإعلام ولكنه لا يزال يناضل بالكلمة المكتوبة ويبدو أن غيابه عن الفضائيات سيطول.
لا أتصور أن منى ستبتعد طويلًا، العلاقة الدائمة مع المشاهدين تحقق إحساس العِشرة التى لا تسمح بالهجر خصوصا أن العالم الفضائى يزداد اتساعًا، من المؤكد سوف نرى منى سلمان قريبًا وهى تطل علينا عبر نافذة ينفذ منها شعاع شمس الحقيقة!!