المحكمة الدستورية التى تصنف كواحدة من أفضل نظيراتها فى العالم قامت جماعة الإخوان بتقليم أظافرها فى الدستور. الغرض الظاهرى هو الحفاظ على استقرار مؤسسة التشريع بتحويل رقابة المحكمة لقوانين الانتخاب من رقابة لاحقة على إنفاذ القانون إلى رقابة سابقة.. ورغم أننى من أول من طالب بذلك إبان عهد مبارك، سعياً لتلافى الهزات داخل البرلمان، كما حدث فى عدم دستورية قوانين انتخاب برلمانات 1984 و1987، و1990 و1995 و2011، إلا أن هذا الهدف شىء والانتقام من المحكمة بشكل خاص والسلطة القضائية بشكل عام شىء آخر.
ما حدث هو أن جماعة الإخوان، والسلطة خاصة، والتيار الدينى عامة، اعتبروا المحكمة الدستورية نداً يجب كسر شوكته، لأنها- كما يرون- تتدخل فيما لا يعنيها، مخالفة فى ذلك مبدأ الفصل بين السلطات، وذلك كله بعد أن حكمت المحكمة فى يونيو 2012 بعدم دستورية قانون انتخابات مجلس الشعب الذى عانى التيار الدينى حتى هيمن عليه فى الانتخابات السابقة، وعدم دستورية ما سُمّى إعلامياً «قانون العزل»، ومن ثم إشراك «شفيق» فى السباق الرئاسى، وما ترافق مع ذلك من رفض القضاء تشكيل تأسيسية الدستور الأولى، واستشعار تلك الأطراف عصا المحكمة المسلطة على تأسيسية الدستور الثانية وقانون انتخابات مجلس الشورى رغم الاستفتاء على الدستور، والمشكلات التى أثارها القضاة بسبب النائب العام. المهم أن الإخوان والسلطة اضطروا للاستجابة للأحكام الصادرة، لكنهم تحينوا الفرصة للانقضاض على المحكمة خاصة، والقضاء عامة،
وضربوا ضربتهم من خلال الدستور، ساعدهم فى ذلك ثلة من المـتأخونين من أساتذة الجامعات وقيادات حزبى الوسط والحضارة وبعض أعضاء غد الثورة، وتم هذا الانقضاض رغم أن أبجديات أى نظام سياسى مستقر هى إعلاء قيمة القانون. المادة 177 من الدستور كانت السلاح، فهى تجعل الرقابة على قوانين الانتخابات العامة رقابة سابقة، لكن سياسة الإخوان وممالئيهم والقائمة على قاعدة «اخطف واجرى» انكشفت بعد أن استجاب مجلس الشورى لبعض ما جاء به قرار المحكمة الدستورية بشأن «قانون الانتخاب» الجديد قبل إنفاذه، مقابل تجاهل المجلس للبعض الآخر، وإضافته نصوصاً جديدة أيضاً..
كل هذه الأمور كان يتوجب معها عودة القانون للمحكمة، لكن هذا لم يحدث، الأمر الذى سينذر على الأرجح بمواجهة أخرى بين الطرفين: السلطة والتيار الدينى من ناحية والمحكمة من ناحية أخرى. الطرف الأول اعتبر المحكمة محللاً لخيبة مفضوحة وقادمة لا محالة، لكنها للأسف محلل غير شرعى. عندئذ ستقع الطامة الكبرى عندما تحكم المحكمة بعد الانتخابات بعدم دستورية القانون. أهم ما خلفه حكم مبارك فى النظام الحالى هو الأخذ بأسوأ تجاربه، وعدم التعلم من نواكبه.. وعلى الباغى تدور الدوائر. وعلى الله قصد السبيل.