دار النقاش فى مؤتمر مركز الدراسات المتوسطية فى باريس حول قضايا الإسلام والمسلمين فى أوروبا، وحكم الإخوان فى مصر وتونس، واتضح أن هناك اتجاهاً مؤثراً داخل النخبة الأوروبية والفرنسية ليس مرحباً تماماً بخطاب البكاء والعويل الذى يردده بعض العلمانيين فى العالم العربى، خاصة التوانسة عن العلمانية التى ضاعت وحقوق المرأة التى أهدرت بسبب حكم النهضة، وبدا أن الفرنسيين الذين كانوا من أكثر المرحبين بحكم بن على لأنه يحارب الإسلاميين، غير مستعدين الآن لمعارضتهم لأسباب أيديولوجية كما كان فى الماضى، إنما الحكم عليهم من خلال أدائهم والممارسة العملية.
والحقيقة أن نقد أداء الإخوان وطريقة حكمهم وتفردهم بالسلطة أمر يختلف تماماً عن فكرة تحريض الغرب عليهم وكأنهم سيأتون بالبوارج لإخراجهم من السلطة، فالغرب إجمالاً لا يهتم بتفاصيل المشهد السياسى فى مصر ولا تونس ولا بالأخطاء الفادحة التى يرتكبها كل يوم إخوان الحكم، إنما بالصورة العامة والنتيجة النهائية، فوزير خارجية فرنسا الأسبق قال بكل برود إن خطر الفوضى وارد بدرجة كبيرة فى بلد مثل مصر ودون أن يطرح أى مسار لمواجهته وهو ما استفزنى واستفز آخرين واضطررنا أكثر من مرة للتعليق عليه، وقال أيضاً إن الإسلاميين كسبوا لأنهم أكثر تنظيماً وكفاءة وأنتم ــ أى التيارات المدنية ــ خسرتم لأنكم أضعف ومنقسمون.
والمؤكد أن هناك من يقول فى أوروبا ولو ضمنا بأننا غير مهيئين لديمقراطية كاملة، ولسان حاله يقول أنتم شعوب فقيرة بها نسبة أمية 30% ( تونس 15% )، والإسلاميون شبه المجتمع، وكفى التجارب الفاشلة لمن كانوا شبهنا ولو من حيث الشكل وفشلوا وهددوا مصالحنا.
فرنسا التى ليس لديها عملية الأمريكيين الذين لم يفرق معهم أن يدعموا ليس فقط الإخوان إنما الجهاديين فى أفغانستان، فلديها نظام علمانى متشدد مقارنة بما يجرى حتى فى بلدان أوروبية أخرى لم يفرق معها كثيراً حديث زميلنا الباحث التونسى عن أن حزب النهضة يدمر الدولة التونسية الحديثة التى بناها بورقيبة، وتبنى أجهزة خاصة بدلاً من مؤسسات الدولة وغيرها، إنما قالوا بوضوح سندعم هذه البلدان اقتصادياً بصرف النظر عمن يحكمها وحتى لو لم نكن نحبهم، فنحن لا نرى بديلاً لهم الآن.
أما وزير الاقتصاد التركى والقيادى السابق فى الحزب الاشتراكى الديمقراطى فقد واجه أردوجان فى انتخابات 2008، وفاز لأنه كان على رأس القائمة، وطالب الرجل أوروبا بأن تعترف بقوة الإسلام وحضوره فى أوروبا، واعتبر أن حزب العدالة والتنمية لا يمثل تهديداً للديمقراطية التركية، إنما قال إن أردوجان يمارس كثيراً من الممارسات السلطوية ويضيق بحرية النقد بعد بقائه 10 سنوات فى السلطة، وحين ناقشته بشكل منفرد فى التجربة التركية وقلت له إنها تجربة نجاح بامتياز، قال نجاح اقتصادى نعم لكنه انتقد تفرد أردوجان وتصاعد دور الجناح الدينى المحافظ داخل حزبه فى الحياة العامة التركية.
طريقة درويش فى نقد منافسيه السياسيين لم يكن الهدف من ورائها نفاق الأوروبيين ونيل عطفهم ورضاهم إنما كانت عن قناعة، ولم تتجاوز المساحة النقدية المعروفة فى البلدان الديمقراطية فى التعامل مع النظم السياسية وهى أمور لم يتعلمها غالبية السياسيين فى مصر.
صحيح أن تركيا لديها ديمقراطية أكثر تطوراً من بلادنا ومؤسسات راسخة لم تقطعها أى تجربة ثورية منذ أن تأسست الجمهورية التركية فى 1924، إلا أن هذا لا يبرر اللغة المنفلتة فى التعبير عن الخلافات الداخلية فى مصر، والسعى للحصول على رضا أوروبى أو أمريكى بأى ثمن، فى حين أن كليهما يشاهد عراك الديوك الدائر فى بلادنا بقدر من الاستعلاء على اعتبار أننا لم نتعلم الديمقراطية بعد وهو صحيح، إنما أيضا لا نصلح للديمقراطية وهو غير صحيح.