لو كنت عضوا في نقابة، وتقدم أحدهم باقتراح أن يتم نشر محاضر كل جلسات مجالس النقابة على موقع النقابة على الإنترنت، وتمت الدعوة للتصويت عليه في الجمعية العمومية للنقابة، ماذا كنت ستفعل؟
هذا الاقتراح سيجعلك وأنت جالس في بيتك مطلعا على تفاصيل إدارة النقابة والنقاشات الجارية بين أولئك المنتخبين الذين من المفترض بهم الدفاع عن مصالحك، ولكنه بالتأكيد سيضيف عبئا ومسؤولية على أولئك المنتخبين تماما كتصوير الجلسات وبثها على الهواء.
يبدو الاقتراح ديمقراطيا جدا، بالمعنى الذي يعطي قدرة أكبر للناس على الاطلاع على كيفية إدارة شؤونهم ويعطيهم قدرة أكبر على متابعة عمل من انتخبوهم وبالتالي يعطيهم قدرة أكبر على محاسبتهم.
ولكن ما حدث في الجمعية العمومية لنقابة المهندسين أن تقدم بهذا الاقتراح "مرصد استقلال نقابة المهندسين"، وتم رفضه!
وفق تقديرات نشطاء نقابيين فإن حشد الإخوان الذين يسيطرون على مجلس النقابة، كان يمثل أغلبية حضور الجمعية العمومية التي لم تتجاوز 3000 مهندس وهي نسبة لا تزيد على 0.50% من أعضاء النقابة.
المشاركة الضعيفة مشكلة كبرى، ولكنها هنا هدية عظيمة للإخوان. فهي تسهل التلاعب بالإجراءات الديمقراطية لتفريغها من محتواها. وهو ما يبدو أن الإخوان أصبحوا يتقنونه، ولكن اقتراح المرصد كان تحديا كبيرا. الاقتراح كان محرجا، ومن الصعب أن تصوت ضده جموع كبيرة بشكل سافر دون أن يبدوا كـ«خرفان» حقا وصدقا، ولكن تفتقت العبقرية الصندوقراطية الإخوانية عن طرق لإخراج الأمر بصورة أكثر أناقة.
عند عرض المقترح على التصويت، عارضه الإخوان بتماحيك وملاوعة. أمسك أحدهم بالميكروفون وقال: «محاضر الجلسات خاصة بالاجتماع والمجتمعين ولا تخص كل المهندسين كما أنها يمكن أن تتضمن أشياء سرية، ونشرها في العلن غريب جدا»، كما أن مهندسا إخوانيا آخر كتب في حسابه على تويتر في رهافة حس أنه ربما كان في محاضر الجلسات شيء يتحدث عن كفاءة شخص ما، فلماذا ينشر هذا الكلام الذي يؤذي مشاعره؟
صحيح، لماذا نترك أعضاء النقابة يعرفون أن أحد مسؤولي النقابة المنتخبين أو العاملين فيها غير كفء؟!
المهم أن من أدار الجمعية العمومية، وهو الأمين العام للنقابة، الباشمهندس الإخواني علي عبد الرحيم، بدلا من أن يقوم بفتح التصويت مباشرة بـ«نعم» و«لا» على الاقتراح، غيّر مسار التصويت، وطلب تقسيم التصويت إلى تصويتين: «من يوافق على نشر قرارات مجلس النقابة فقط؟» ثم «من يوافق على نشر محاضر الجلسات كاملة؟». وكانت النتيجة هي «نعمين» المطلوب حساب أيِّ «نعم» فيهما أكثر من الأخرى، لأن «لا» ستكون بذيئة وفاضحة الخرفانية.
وبالتأكيد بعد كل هذه «المحلسة» كان لابد أن يفهم حشود المؤيدين أن رغبة الأمين العام ومجلس النقابة هي عدم نشر محاضر الجلسات ولذلك كانت «نعم» الأولى أكثر بكثير من «نعم» الثانية. وتم رفض اقتراح نشر محاضر الاجتماعات والإعلان عن موافقة المهندسين على اقتراح نشر قرارات مجلس النقابة فقط.
الطريف أن نشر قرارات مجلس النقابة منصوص عليه في قانون النقابة، ولم يكن يحتاج لتصويت أصلا!
الاقتراح الديمقراطي تم القفز عليه بفقرة أكروباتية صندقراطيةجميلة كما ترون. اتجاه الديمقراطية بلا شك هو اتجاه تمكين الناس من المعرفة والحصول على معلومات، وهو ما يدعم حريتهم وقدرتهم على اتخاذ قرارات جماعية في اتجاه مصالحهم، ويضمن قدرة أكبر للناس على محاسبة المسؤولين ليكون الناس أقرب ما يكونون إلى حاكمين فعليين وتقليل فرص الاستبداد أو الفساد وهو معنى فكرة «الديمقراطية»، بينما الصندوقراطيةيمكن أن تسير في الاتجاه الآخر أو أي اتجاه مستندة فقط إلى القدرة على حشد العدد الأكبر والمهارة الكبيرة في توجيههم من قبل مروّض حشود ماهر والتلاعب بالإجراءات كأجدعها بلهوان في سيرك. «قولوا: هيه !».