بعد الحادي عشر من فبراير وتنحي مبارك عن الحكم سافرت إلى بعض الدول العربية والأوربية حاملاً جواز سفري المصري الكبير الحجم مقارنتاً بمعظم جوازات سفر مواطنوا دول العالم، وعلى قدر هذا الفارق كان شعوري متباين معه من فخر واعتزاز بوطني العظيم الذي لم يتوقف حديث العالم عنه وعن عظمة مواطنيه الذين قاموا بثورة فريدة من نوعها في التاريخ الحديث.
كغيري من المصريين الذين يعيشون خارج مصر.. كنت أعيش.. وشعرت معهم بتغيير حقيقي في علاقة كل أجناس الأرض بنا، بداية من نظرات الإعجاب ونهاية بالمعاملة الحسنة مروراً بحسن الكلمات.. ما أجملها لحظات عشتها بهذه الروح المتوهجة التي جعلتني متمسكاً على نحو أكبر بأن أحقق أحلامي لبلدي.. لكن سرعان ما انتهت تلك اللحظات بعد أن بدأت مصر في طريقها رويداً رويداً للعودة إلى ما كان قبل الخامس والعشرين من يناير.
بدأ هذا التراجع بسبب ما اقترفه المجلس العسكري من إثم هو أقبح الأثام التي يمكن أن يمر بها رجل عسكري وهو الخيانة.. خيانة ثورة أؤتمن عليها من شعب بأكمله بعد أن تدخل الأمريكان لإجباره على السير في الطريق الذي رسمته جماعة الإخوان المسلمين.
إنبطح المجلس العسكري أمام إرادة الإدارة الأمريكية وأغمى عينيه وسد أذنيه وأوقف عقله وترك المجلس الذي يجتمع هناك فوق هضبة المقطم يدبر ويخطط وارتضى لنفسه فقط مسؤولية التنفيذ، ولم يستطع أن يسمع أنين هذا الوطن طوال هذه الفترة السوداء من تاريخ هذا الوطن ولم يرى الحوائط المسدودة التي نسير على طريقها ولم يعقل كل النصائح التي قيلت له عن الهاوية التي تعسف بنا بهم إليها.
نجح الأمريكان في تسليم الوطن على طبق من فضه للإخوان الذين لم تنقطع الرحلات المكوكية بين المقطم وواشنطن، ولم تنقطع المشاورات التليفونية مكتب الإرشاد والبيت الأبيض منذ سقوط مبارك وحتى يومنا هذا.. حيث أن أمريكا كانت تقدر أن "الإخوان" هم أقوي فصيل سياسي كان مرشحا لخلافة النظم الفاسدة التي اسقطتها الثورات العربية وهذا ما حدث بالفعل، ولأن السياسة مصالح فهي تتعامل مع القوة الحاكمة أياً كانت.. كما يرون أن الإخوان هم الأقدر علي التعامل مع "حماس" وربما الضغط عليها، لأن حماس هي فرع أو نتاج للإخوان المسلمين في فلسطين.. وأنهم أكبر تنظيم "سني" في المنطقة، وبالتالي يمكن أن يكون رصيدا مهما في مواجهة ما تعتبره أمريكا وإسرائيل خطرا شيعيا يمتد من إيران ودويلات الخليج وشرق السعودية حتي بشار الأسد وحزب الله.. وهذا ما حدث جذء كبير منه بالفعل.
الأن وبمنتهى الفجور الذي يفضح صاحبه..تعود الإدارة الأمريكية لتحاول تنفيذ ما ستطاعته مع المجلس العسكري على جبهة الإنقاذ الوطني الأن لتجبرها على خوض الإنتخابات البرلمانية المفضوحة بذاءتها.. كي يكتمل مشروع التمكين تماماً دون أن يعطله أحد.. فبعد أن حولوا حلمنا لهذا الوطن إلى كابوس.. والأمل إلى ألم، يعودون اليوم ليطفئوا شعاع النور الذي ظهر لنا فجأة لينير لنا الطريق الذي أطفأوا نوره على مدى عامين من الثورة استطاعوا أن يحرموها من إستكمال مسيرتها الأولى وأهدافها التي نسعى إلى تحقيقها.
نحن لم نقم بثورة كي نتركها لكم لتختاروا مسارها ومصيرها الذي يتوافق مع مصالحكم مع الفصيل الذي اخترتموه كي يركع ويسجد لكم ويلعق أحذيتكم.. نحن نريد أن نبني دولة قوية بديمقراطيتها.. نحن نحلم بديمقراطية كديمقراطيتكم.. نريد لأطفالنا أن يعيشوا في دولة عظمى كدولتكم.. لدينا من الحضارة مالم ولن لديكم.. فاتركونا ولا شأن لكم بنا.. إتركونا نكمل ثورتنا التي لم تكن يوماً ثورتكم كي تتبنوا منها ما شئتم، وتحاربوا منها من أبيتم.. إن ثورتنا مازالت مستمرة على الإخوان ومن ثم فهي مستمرة عليكم.