«مرسى أذهل العالم».. العبارة السابقة، استعرتها من جريدة «الحرية والعدالة» التى زعمت أن مرسيها أذهل العالم فى أثناء زيارته لألمانيا. لكننى أظن أن مرسى أذهل العالم بُعَيد حديثه مع عمرو الليثى، حيث أثبت أنه أول إنسان يحقق أمنية مدحت صالح القديمة فى أن يعيش فى «كوكب تانى».
وبما أننى بوز نكد فإننى لم ألتفت إلى كل الكوميديا السوداء التى عجّ بها حوار الرئيس وتناقلها الناس فى ذهول، لأننى كنت مشغولة بالغيظ والتقزُّز والغضب من دموع الرئيس. يقول الرئيس، رقيق القلب، إن عينيه دمعتا حين علم بقصة أحد الأطفال المعتقلين، حيث وجدت الشرطة شهادة ميلاده فى جيبه، فروى لهم قصته المؤثرة، بأن أمه أرسلته للموت لأنها تقاضت 600 جنيه، ووضعت فى جيبه شهادة ميلاده حتى تتمكن من العثور على جثته!
ثم شفع هذه الرواية الطفولية بتحليل اجتماعى، مبيِّنًا بشاعة أولئك المتآمرين الذين يستغلون فقر الناس! وانت يعنى اللى أخدت الواد اتبنِّيته؟
ولماذا تدمع عينا الرئيس لهذه القصة التى تلاها علينا دون سند أو دليل، ولم يدمع لطفل مريض بالسرطان اعتقلَته قوات الأمن، ورفضت إطلاق سراحه إلا بعد أن قامت المنظمات الحقوقية بفضح الأمر؟ ولماذا لم يدمع الرئيس لموت محمد حسين الشهير بكريستى الذى انتخبه فى الإعادة؟ ولماذا لم يبكِ جيكا، ابن السادسة عشرة، الذى نزل يحتفل بفوزه وهو يقول: «طلّع المعتقلين وهات حقّ الشهدا واحنا وراك إن شاء الله»؟ ولماذا لم يرقّ لحال أم الشهيد محمد الجندى، الذى انتخبه، وهى تطلب من كل المصريين، أن يجأروا بالدعاء لولدها عسى الله أن يحييه؟ وما الذى يميز ذلك الطفل، الذى يبدو أن الرئيس اخترعه من محض خياله، من بقية الأطفال المعتقَلين، والذين تزيد أعدادهم على 140 طفلًا؟ هذا بخلاف جثث الأطفال المجهولة المسجَّاة فى المشرحة وأنا أكتب هذه السطور، والتى شاهدها أصدقاء محمد الشافعى وهم يبحثون عنه؟ بل لماذا لم يبكِ الرئيس محمد الشافعى الذى اختفى منذ يوم 29 يناير وظهر فجأة بعد ما يقرب من أسبوعين فى المشرحة؟
أيها السيد الدكتور الباشمهندز الرئيس، من ذا الذى أشار عليك باستخدام هذا الأسلوب الرخيص، الاستفزازى، الوضيع، لتشويه معارضيك؟ أنت لا تعلم أيها الرئيس أنك تُدِين نفسك بهذه القصة. بتحكى لنا وتمصمص شفايفك على إيه؟ هو انت باشكاتب؟ أنت رئيس الجمهورية، وهذه المرأة التى باعت ولدها بـ600 جنيه لتأكل هى من رعاياك، وفقرها فى رقبتك، وتضحيتها بولدها فى مقابل ثمن الطعام إدانة لك، ولا تقُل إن حالها هو مِن آثار النظام البائد، فالنظام البائد بائد، وأنت رئيس الجمهورية الآن، وجماعتك تمتلك أطنانا من المال تنفقها على الوجبات والزيت والسكر إبان الحملات الانتخابية لتشترى أصوات الفقراء فى مقابل حقهم المعلوم فى كتاب الله. لماذا لا تطلب من جماعتك التى تشترى الأصوات أن تكفل أسر الأطفال التى «يستغلّ فقرها الأشرار» بدلا من نشاطهم الدورى فى ضرب النساء، والقبض على الذرارى، واختطاف الشباب وتعذيبهم حتى الموت؟ طب يا ريت بقى اسم هذا الطفل، ومحل سكن أمه، حتى نعرض حالته على جمعية «رسالة».. هاه؟ جمعية «رسالة»، واخد بالك؟ ونطلب منها أن تكفل الأسرة، وقبل أن تجفف دموعك، عليك أن تطلب من السلطات إطلاق سراح ذلك الطفل بدلًا من إيداعه الأحداث، ليتعرض هناك للتعذيب والانتهاك الجنسى.
أين دموعك يا سيادة الرئيس من أطفال لم يتجاوزوا الثامنة، قُبض عليهم فى المنصورة، ويتعرضون للتحرش من قِبل قوات الأمن؟ ثم إيه حكاية الدموع دى؟ لو أنك تعى أنك رئيس الجمهورية، فلماذا لم تطلب بحث حالات الأطفال المقبوض عليهم وحل مشكلاتهم بدلًا من سجنهم وتعذيبهم؟ وبدلًا من بلّ الوسادة كالوَلايا، لماذا لا تقابل بنفسك هؤلاء الأطفال وتستقبلهم فى قصرك الجمهورى على الأقل لتسمع منهم أسباب ثورتهم عليك، فإن كانوا مأجورين فأنت فى يدك أن تغنيهم، وإن كانوا بالفعل مؤمنين بما يفعلون، فعليك أن تتساءل: لماذا يعادينى الأطفال؟
وما الغريب يا سيادة الرئيس فى أن يعاديك الأطفال وأنت تعتقلهم، وتعذبهم، بعد أن أفقرتَهم؟ هل يحتاج الجائع إلى رشوة كى يثور على من أجاعه؟ أم أنك وجماعتك تستغربون أن يثور الأطفال؟ والله؟ ومن دفع المال لأطفال الحجارة فى فلسطين، الذين طالما تاجرتَ بهم أنت وجماعتك، كى يثوروا على المحتل الإسرائيلى؟
هل تعلم يا باشمهندز أن أول من ادَّعى أن الأطفال يثورون فى مقابل المال هو إسرائيل إبان انتفاضة الحجارة؟ صدقت حين وصفت نفسك بـ«صديق بيريز الوفى».