أحب محمد المخزنجى، وأحب أن أقول إننى أحبه..
لا أظن أننى أحببت أديبا إنسانيا وإبداعيا كما أحببت المخزنجى طيلة عمرى، وكان ولا يزال المخزنجى هو صواب روحى وبوصلة قلبى، فكلما كتبت أو تكلمت أو اتخذت موقفا أو أعلنت رأيا كنت أنشغل بتعليق أو رأى المخزنجى، وكلما جاءنى رأيه دائما داعما مساندا راعيا موافقا راضيا فخورا حانيا أطمئن، واستدفأ ضميرى بضميره، رغم اللقاءات أو المكالمات التليفونية ورسائله النبيلة التى يبثُّنى فيها أمانا وأمْنًا وسكنًا كالقطب الصوفى لمريده فإننى وجدت فى ما كتب فى مقاله أمس بالزميلة «الشروق» سطورا كأنها من أوراد الأقطاب الأشراف، حين يشرحون الجروح، وحين يطببون النفوس وحين يقطرون الحكمة وحين ينفحون البركة وحين يطلقون النبوءة وحين يُبْرِئون الأكمه ويحيون موتى الضمائر، وها أنا أنقلها إليكم كمن يبلغ رسالة شيخه أو وصفة طبيبه أو وصية حكيمه:
«رائحة ذلك العفن الذى كشفته عاصفة التراب، هى عينة صغيرة من رائحة كارثة يقودنا إليها هذا الحكم الغشيم الكتيم اللئيم، وبوادرها بادية فى ذلك الإصرار العنيد البليد على إجراء انتخابات معيبة تحت شروط معيبة، وفى ظروف معيبة للإتيان ببرلمان لن يكون إلا معيبا، يقربهم من تسكين فجعة التمكين حينا، ويقرب مصر من لحظة الانفجار فى فوضى مديدة، أو الانحدار إلى هاوية الدولة الفاشلة، والتى لا عاصم منها بعد الله واستقلال وتماسك الجيش وما بقى من القضاء، إلا الإصرار على أنه لن يصح إلا الصحيح، والصحيح يقتضى الرجوع عن كل الأباطيل التى قدَّمت لهذه الانتخابات الاحتيالية المُزمَعة، التى يحاول الإخوان تسويغها كذبا وتمريرها خداعا بتلك الدعوات الشكلية الفارغة لما يُسمَّى الحوار، فيما الحق «أبلج»! ولم يعد فى حاجة إلى أى حوار، خاصة عندما يجرى بين أناس حَسَنِى النية وإدارة تُضمر الخداع والكذب، وهى تلتقى هؤلاء الناس، فهى تُبدى حُسْن الاستماع، فيما هى مُقرِّرة أن لا تفعل غير ما دبَّرته سرًّا مع جماعتها السرية، وقد تكرر ذلك مرات ومرات بما يكفى لترسيخ أشد المرارة من هؤلاء المُخادعين.
وما دام ذلك كذلك، فإن التهافت على تلك الجلسات المُرائية لما يسمَّى حوارا، والاستدراج إلى تلك الانتخابات المُصمَّمة بباطل مبنى على باطل فوق باطل لإخراج برلمان إخوانى إقصائى باطل، هما مشاركة فى تسويغ وتمرير باطل كبير يتهيأ لالتهام مصر التاريخية، الدولة الوطنية الوسطية المنفتحة المُتسامحة، التى تعرف الله دون متاجرة فى دين الله، بُغية التربُّح السياسى وغير السياسى فى الدنيا الدنية».
ألم أقل لكم إن المخزنجى صواب روحى وبوصلة قلبى..
لنقاطع ولا نكتفِ بمقاطعتنا نحن، بل ندعو عموم الناس إلى المقاطعة السلمية الحضارية، لعل نُذُر الشؤم تنقطع عنا: تلك العواصف الترابية التى تنحط، وجائحة الجراد التى تزحف، والمنطاد الذى يحترق بأجساد ضيوفنا فى سمائنا، ويحرق سمعتنا فى سماوات العالم.. ألا لعنة الله على الكاذبين.