أليس من الغريب ومن المثير للريبة أن يصرّ الإخوان المسلمون على التعجيل بالانتخابات البرلمانية فى ظل تراجع واضح لشعبيتهم؟ ألا يثير هذا علامات استفهام وتعجب؟ وهل هناك من يشكك فى هذا التراجع الذى أصبح من الحقائق الواضحة التى يبنى عليها المراقبون المحايدون المصريون والأجانب تحليلاتهم للواقع؟ أم أن هناك وسائل أخرى لا يهم فيها الرضا الشعبى فى الحصول على كراسى البرلمان؟
وهل حقا يقتنع الدكتور مرسى بعقله ويؤمن فى قلبه فى صحة ما قاله فى حديثه التليفزيونى قبل أيام «إن الشعب المصرى واقف معايا بجد»؟! ألا يرى بعينيه ويسمع بأذنيه هتافات الجماهير الغاضبة المحيطة بالقصر الرئاسى على بعد أمتار قليلة من مكتبه والتى تطالب برحيله؟ وهل نسى أنه أضطر منذ أسابيع إلى مغادرة القصر فى حماية مكثفة من الحرس ومن الأبواب الخلفية خشية على أمنه الشخصى من هؤلاء المتظاهرين؟ ألا يصل إلى علمه مظاهرات واعتصامات ودعوات العصيان المدنى تصطخب فى طول البلاد وعرضها، وبعضها يتحداه إن كان يقدر أن يزور مدينتهم؟ ويصل التصعيد إلى حد التلويح باللجوء للمحاكم الدولية لنيل الحقوق بعد أن تبدد الأمل فى عدل دولة الإخوان! ألا تخطره بهذا تقارير أجهزة الأمن المتعددة المتشعبة المتداخلة فى كل التفاصيل والتى ترصد له دبيب النمل وتنقل له الاحتجاجات والتظاهرات وخلفياتها وتبعاتها والمشاركين فيها والمتعاطفين معها ومن يُتوقع أن ينضموا لها مستقبلا؟ أم أن هذه الأجهزة أيضا تكذب عليه وتخدعه بأن الشعب معه؟ طيب، ألا يشاهد التليفزيون ويعلم منه علم اليقين الجرائم المروِّعة لبعض أجهزة الأمن والتعذيب المنظم الذى بات وصمة عار لعهده ولحكمه ولكل مشارك فيه ولكل ساكت عنه؟ ألا يهزه أن الرجال باتوا عرضة للعدوان الجنسى، وأن الفتيات يُضربن بالأحذية، وأن عصابات منظمة أصبحت مكلفة بانتهاك كرامة النساء المشاركات فى الوقفات الاحتجاجية السلمية القانونية والدستورية؟ وألم يعرف عن الضحايا بالمئات الذين أصبح لهم ثأر حاد مع نظامه وجماعته وسياسته وأمنه، وأن القضاء ينظر فى عدد من الانتهاكات المنظمة لحقوق الإنسان فى عهده وتحت رعايته وفى غطاء تصريحاته بأن رجال الشرطة ينفذون تعليماته وأنه يدعم ما يفعلون؟ وهل من المنتظر من هؤلاء الضحايا ومن ذويهم ومعارفهم والجماهير المتعاطفة معهم أن يقفوا معه؟
بل لقد وصل التذمر والغضب إلى قطاعات كان يُعْهَد عنها الانضباط وكتمان مشاعر أبنائها، فقد انضم مؤخرا قطاع كبير من ضباط شرطة الصعيد إلى المحتجين فى رد فعل على اتهامهم بالتقصير من قيادات للإخوان فى الصعيد، لأنهم يطلبون من الشرطة أن تعتمد تحرياتهم عن المتظاهربين المعارضين، بل لقد أزاح بعض قيادات الإخوان الشرطة وتصدروا هم المشهد فى جلسات الصلح بين العائلات بإيحاء كاذب أنه هم الذين نجحوا فى المهمة، فى مسعى لكسب ودّ هذه العائلات بما يفيد فى الانتخابات، بعد أن تكون أجهزة الشرطة بذلت كل الجهد وقامت بتسوية النزاعات الدامية! وقد اتخذ بعض رجال الشرطة موقفا تصعيديا بالامتناع عن حراسة وحماية مقار حزب الحرية والعدالة وجماعة الإخوان المسلمين فى عدد من محافظات الصعيد.
وإذا كان الدكتور مرسى يُخرج كل هؤلاء من عداد «الشعب»، الذى يتوهم، أو يوهم الناس، أنهم يقفون معه، ففى أية خانة يضعهم؟ أجانب مثلا؟ أم هم من العملاء الذين لا يستحقون شرف الاحتساب ضمن الشعب؟ أم هو مع منطق بعض إخوانه بأن اللى مش عاجبه يهاجر؟ ثم صار المعارضون والضحايا ومن معهم منذ إعلان فكرة تهجيرهم من خارج صفوف الشعب؟
وأين يضع الدكتور مرسى زعماء المعارضة وأحزابهم وكوادرهم وجماهيرهم وهو يدعوهم للحوار معه؟ خاصة أن من هؤلاء من أعلنها صريحة بأنه مع محاكمته وإسقاطه لعدوانه على الدستور والقانون ولحمايته انتهاكات صارخة فى حق الشعب؟
والدكتور مرسى يعلم أنه فاز فى الرئاسة بهامش حرج وبنسبة لم تتجاوز 51 بالمئة ممن شاركوا يومها فى التصويت، وأن معظمهم صرحوا علنا أنهم ليسوا من أنصاره ولا من داعمى خطه السياسى والفكرى وإنما هم اضطُروا إلى إنجاحه استبعادا لمنافسه الفريق شفيق، فإلامَ يستند الآن فى زعمه بأن «الشعب» معه؟ وما هى المناسبة السعيدة التى علم فيها أن مؤيديه زادوا عما حصل عليه فى الانتخابات إلى حد أن انضم إليهم بقية الشعب؟ وهل نسى أن نتائج هذه الانتخابات مطعون عليها، وأن قاضى التحقيق لا يزال يتحقق فى حجج المدعين، وأن ما وصل إليه تحقيقه لم يؤدِ إلى إبطال دعواهم، بما يعنى أنها جادة حتى الآن، أى إلى الوقت الذى يزعم فيه الدكتور مرسى أن مؤيديه زادت أعدادهم عما كانوا يوم الانتخابات؟
كما أن هناك فصيلا مهما من حلفائه السلفيين خرجوا عليه وانشقوا عن جبهته وأعلنوا المعارضة على الملأ، بل وقدموا أدلة على صحة مخاوف الآخرين عن مؤامرات أخونة الدولة القائمة على قدم وساق، وقيل إن رئيس حزب النور سلَّم للدكتور مرسى ملفا خاصا بأخونة الدولة بعد دراسة شملت جميع المحافظات، وقيل إن هذه نقطة خلاف أساسية لأنهم، كما يقولون، لا يقبلون أن يستولى حزب واحد على مقاليد الأمور، وإلا لصارت ماكينة الدولة فى طوعه وفى خدمته فى كل مناسبة، وخاصة فى الانتخابات الرئاسية أو البرلمانية أو المحلية. وهذا يشير إلى احتمال خطير، أن الإخوان يدفعون بالتعجيل فى الانتخابات البرلمانية، برغم كل الشواهد الدالة على تراجع شعبيتهم، لأنهم مطمئنون إلى أن ماكينة الانتخابات صارت تحت سيطرتهم، وأنهم بصدد تكرار نموذج الانتخابات على طريقة مبارك؟
لقد تدهورت أوضاع دولة الإخوان إلى حد أن نعيد تكرار العيش فى كوابيس تزوير الانتخابات، وكأن الشعب لم يثر ويدفع بخيرة أبنائه فى سبيل أن تتحقق أحلام الحرية والديمقراطية ونزاهة الانتخابات! وكأن الشعب أطاح بمبارك ونجله وقرينته وعصابتهم ليأتى بمرسى ومرشده وشاطره وعشيرتهم! وكأن الشعب يُفضِّل استبداد هؤلاء على استبداد أولئك!
لقد كانت الانتخابات النزيهة أملا فى تصويب اختيار الشعب بعد خطأ تمكين الإخوان من الكرسى الرئاسى، بعد أن رأى الشعب أن جهود الإخوان لا تستهدف تحقيق أحلام العيش والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية، وإنما كلها تصب فى مشروع التمكين الذى عجز الإخوان عن أن يسير متوافقا مع آمال الناس بل، على العكس، أن يكون متصادما مع مصالح الناس، وأن يدفع بالواقع إلى الخلف، إلى ما دون استبداد مبارك، إلى ظلام العصور الوسطى حيث المعارضة خروج على الحاكم الذى جاء بمشيئة الله، والمطالبة بالحرية دعوة للتهتك والانحلال الأخلاقى، واجتهاد الفكر والأدب والفن بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة فى النار.
يقول الإخوان إن المعارضة تنسحب من الانتخابات لأنهم يعلمون أنهم خاسرون! ولكن إذا كان الإخوان واثقون من تأييد الجماهير فلماذا يصرّون على رفض توفير ضمانات انتخابات نزيهة يتحدد فيها حقا مع من يقف الشعب؟!