لست ممن يرون أن المقاطعة- وحدهاـ خيار ثورى! كما لا أرى أن الاشتراك فى الانتخابات الخيار الانتهازى ـ كما يتصور البعض، فالأصل فى الأمور أنك إذا كنت تحيا فى وطن تحكمه سلطة استبدادية لا تؤمن بالحريات والديمقراطية، وعلى استعداد لتزييف إرادة الأمة بغرض الحفاظ على كرسى السلطة، وفى ذات الوقت مازال عدد من أبناء هذا الوطن لم يكتشفوا بعد زيف ادعاء تلك السلطة بالديمقراطية، يكون على القوى الوطنية المشاركة، لكشف زيف هذه الادعاءات، بشرط أن تكون هذه التحركات جزءًا من خطة كاملة، إما لاستعادة المسار الديمقراطى أو الدفع باتجاه إسقاط المستبد. أما فى حالتنا الآن، بعد أن قامت جماعة الإخوان الحاكمة بسد المجال السياسى، والانقلاب على الديمقراطية التى أتت بها على رأس السلطة فى البلاد، وجد الكثيرون أنه أصبح لا مجال لكشف زيف ادعاءات النظام من داخله، وأنه آن الأوان للامتناع عن المشاركة فى العملية السياسية، لإفقادها الشرعية التى تدعيها. وعندما يتفق أغلب أحزاب المعارضة على أن المقاطعة هى السلاح لمواجهة الاستبداد الآن، يصبح حال من يقرر الاشتراك فى هذه العملية مثل مجموعة من المعتقلين قرروا الإضراب للحصول على بعض حقوقهم الأساسية، وقام أحدهم بفك هذا الإضراب، فحتى لو كان يحمل وجهة نظر مخالفة يصبح كاسرًا للإضراب، وهنا لا فرق بين كاسر الإضراب والخصم!
ولعلنا جميعًا نتذكر موقف كل القوى الثورية ممن ذهبوا أثناء الأيام الأولى للثورة، للتفاوض مع نائب رئيس الجمهورية السابق اللواء عمر سليمان، عندما كان موقف جميع القوى الثورية أنه لا تفاوض قبل رحيل مبارك! فحتى لو كانوا حملوا وجهة نظر مختلفة، إلا أن وجودهم أعطى شرعية لذلك الحوار المزعوم، وساعد نظام مبارك ـ آنذاك ـ فى مواجهة الثوار.
الآن أصبح القرار الجماعى هو المقاطعة، والحفاظ على جماعية هذا القرار أهم من الخلاف حول جدواه، لأننا تعلمنا خلال العامين السابقين أن تفتتنا هو أكبر نقاط ضعفنا، وهو الذى يُمكّن الثورة المضادة من النيل منا. ولكن، علينا فى ذات الوقت أن ندرك أن المقاطعة ليست قراراً لحظيًا يتعلق بلحظة الانتخابات فقط، لكنها خيار كامل، ويعتبر الخيار الوحيد عند انسداد جميع السبل التى تؤدى لاستعادة المسار الديمقراطى.
ويعنى خيار المقاطعة أن نبحث عن جميع الوسائل والتحركات التى تسقط الشرعية الديمقراطية عن النظام، بهدف الضغط عليه لاستعادة حقوق المصريين فى وطن حر وعادل، والعمل ـ إن لم يستجب هذا النظام ـ على إسقاطه. ومن ثم، فعلى قوى المعارضة ألا تكتفى بالدعوة للمقاطعة فحسب. ولكن ينبغى أن ندعو الناس صراحة إلى المشاركة، ولكن بأشكال أخرى، بداية من القيام بإضرابات تباطؤية عامة، إلى إضرابات جزئية ونوعية لشل قدرة سلطة الاستبداد على الاستفادة من جهد الشعب الذى تذيقه الذل يوميًا، ومقاطعة منتجات شركات رموز النظام لحصارهم اقتصاديًا، وصولاً للإضراب العام والعصيان المدنى، من أجل إسقاط الشرعية كاملة عن هذا النظام، وإقامة نظام بديل قائم على الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية.