ليست المشكلة أن الأخ الرئيس مرسى يرى ما لا يراه الناس!! كما أكد فى «حوار الفجر» إياه.. ولكن المشكلة أن الأخ الرئيس لا يرى ما يراه المصريون جميعا من بؤس الحال وانكسار الأمل فى ظل حكمه الرشيد!!
وحده من بين خلق الله يرى الأخ الرئيس أن حكومة قنديل «ميت فل وعشرة».. وأنها ناجحة بامتياز فى تنفيذ مخططاتها التنموية!! يا مثبت العقول يا رب.. نحن والأخ الرئيس والدنيا كلها تعرف أن حكومة الأخ قنديل جاءت لتقوم بمهمة أساسية وهى تزوير الانتخابات، ولهذا يصر الأخ الرئيس على بقائها حتى تقوم بمهمتها غير المقدسة، لكن حكاية النجاح والمخططات التنموية، فهذا كلام يدخل فى دائرة العيب، لأنه لا يعنى إلا الاستخفاف بعقول الناس وإهانة مشاعرهم!!
هل يعنى الأخ الرئيس أن قتل سبعين شهيدا فى يومين هو جزء من المخططات التنموية للحكومة؟! وهل يدخل فى هذه المخططات آلاف المصابين، ومئات المخطوفين، وسحل المواطنين وهتك أعراضهم، واستهداف شباب الثورة بالقتل، وتكوين الميليشيات المنظمة لتعذيب المواطنين فى حمى قصور الرئاسة، والتحرش بالنساء والشروع فى اغتصابهن وسط مباركة أنصار الرئيس وحكومته؟!
وهل تدخل فى هذه المخططات التنموية لحكومتنا الرشيدة التى يشيد بها الأخ الرئيس، هذا النجاح غير المسبوق فى مضاعفة عدد العاطلين، وفى نشر الفقر، وفى وضع المصريين جميعا فى جحيم الغلاء والبطالة؟!
وهل تدخل فى هذه المخططات «الناجحة»!! هذا الجهد العظيم فى تسول القروض وهذه الزيادة المخيفة فى حجم الديون، وهذا التهاوى المتسارع فى قيمة الجنيه، وهذا الوقوف على حافة الانهيار الاقتصادى، بينما الحكومة التى يشيد بها الأخ الرئيس تقف عاجزة عن فعل شىء، ووزراؤها ليسوا أكثر من موظفين درجة ثانية، ورئيسها يترك كل مشكلات البلد ليعطينا دورسا فى رضاعة الأطفال؟!
الحكومة باقية حتى إجراء الانتخابات، كما يقول الأخ الرئيس، أو حتى تزوير الانتخابات، كما تقول الحقائق على الأرض.. فلماذا اللف والدوران؟ ولماذا الحديث عن مخططات تنموية وبرامج مهلبية؟! ولماذا ترديد الحجة البليدة بأن الوقت قصير، والحكومة ستمضى إلى حال سبيلها بعد بضعة أشهر.. والأخ الرئيس أول من يعرف أن هذه الأشهر هى الحاسمة فى تقرير مصير هذا البلد، وهل سيكتب الله له النجاة، أم سيقع تحت حكم الفاشية إلى ما شاء الله؟!
يعرف الأخ الرئيس- على سبيل المثال- أن آخر انتخابات تمت قبل ثورة يوليو 1952 أجرتها حكومة محايدة، وفى ظروف بالغة الصعوبة.. كان الغضب الشعبى يتصاعد، وكان النضال ضد الاحتلال الأجنبى والفساد الداخلى يشتعل.
وكانت حكومات الأقليات تصطدم بالمعارضة الشعبية من الطلاب والعمال والأحزاب الوطنية، وكان الإرهاب الإخوانى يضرب بسلاح الاغتيالات التى طالت رئيس الوزراء النقراشى، ووضعت البلاد فى قلب دائرة العنف، وكانت حرب فلسطين وتداعياتها داخل الجيش وخارجه، وكانت الأزمة تمضى فى طريق مسدود.
ووقتها لم يكن هناك من خيار أمام القصر إلا عودة «الوفد» صاحب الأغلبية الشعبية فى ذلك الوقت، وكانت الدعوة لانتخابات برلمانية، وكان الشرط والضمانة هو حياد الحكومة.
فى 3 نوفمبر 1949 تم تكليف جيش سرى بتشكيل الوزارة لتقوم بإجراء الانتخابات،كما جاء فى خطاب التكليف، وفى 12 يناير 1950 كانت حكومة حسين سرى قد أكملت المهمة وأشرفت على الانتخابات بحياد كامل، كان من نتيجته اكتساح الوفد للانتخابات، وقدم حسين سرى استقالة وزارته ليشكل النحاس باشا آخر وزارات «الوفد».
سبعون يوما فقط كانت عمر الحكومة المحايدة.. ومثلها أو أقل يكفى الآن لتدير حكومة محايدة الانتخابات القادمة.. وبدون ذلك يصبح الحديث عن نزاهة الانتخابات مجرد دجل سياسى، ونصبح جميعا أمام قرار لا رجعة عنه بتزوير الانتخابات، ووضع كل إمكانيات الدولة فى خدمة حزب الرئيس بصورة أسوأ مما كان يحدث مع الحزب الوطنى. يعرف الأخ الرئيس كل ذلك، يصر على رفض الحكومة المحايدة ليظل الباب مفتوحا لاغتصاب البرلمان وإعادة إنتاج دولة الاستبداد بصورة أسوأ مما كانت عليه. يعرف الأخ الرئيس ذلك ويبرره بأنه يرى ما لا يراه الناس!!
الاستبداد يجدد نفسه.. الشعب يستعيد ثورته.. والباقى تفاصيل!!