تابعت باهتمام شديد جلسة الحوار التى دعا إليها الدكتور محمد مرسى وقاطعَتها جبهة الإنقاذ بقرار جماعى، سبب المتابعة هو الرغبة فى معرفة ما لدى الرئيس ليقدمه فى هذا الحوار وكيف ستتصرف الأحزاب المشاركة والشخصيات العامة، وإلى أى مدى ستكون للبعض شجاعة كافية لطرح رؤى وطنية مخلصة دون حسابات شخصية أو حساسية من رد فعل الرئيس ومن ثم الإغراء أو المكافأة بالذهب أو خشية التعرض لغضب الحاكم. وبداية أود أن أسجل أن جبهة الإنقاذ حققت بهذا القرار خطوة مهمة على طريق جَسْر الهُوَّة مع الشارع، كما أنها وصلت إلى هذا القرار بالإجماع رغم الكتابات المنسوبة إلى بعض المنتمين إليها والمواقف المحددة سلفا من البعض الآخر بضرورة المشاركة فى الحوار والانتخابات، فالتطور الإيجابى هنا نجاح أحزاب الجبهة فى عبور موقف معقَّد للغاية. نعلم تماما أن فريق داخل بعض أحزاب الجبهة كان -ولا يزال- يؤيِّد خوض الانتخابات ويرى المقاطعة سلوكًا سلبيًّا، والمهم هنا هو أن هذا الفريق -وبعضه كان يمثل حزبه فى اجتماع الجبهة- التزم بقرار الجبهة بعدم خوض الانتخابات البرلمانية فى ظل رفض الرئاسة الاستجابة لمطالبها الخاصة بضمان نزاهة الانتخابات. وفى تقديرى أن هذا الموقف الذى اتخذته الجبهة عبر بها لحظة فارقة كانت الجبهة معرَّضة فيه للانقسام بقوة، وأنه يؤكد أن الحرص على تماسك الجبهة يمثل أولوية لدى أحزابها المختلفة، ومن عبور مثل هذه المواقف تتماسك الجبهات وتستعصى على الاختراق الخارجى.
وفى هذا السياق أود تسجيل مجموعة من الملاحظات حول ما دار فى جلسة الحوار الوطنى. أول ملاحظة هى استمرار عزف الرئيس وحزب الحرية والعدالة وأحزاب قريبة منه، نغمة الاستحقاق الانتخابى والاحتكام إلى الصندوق وتجاهل ملاحظات أحزاب المعارضة، مع حشو الطولة بعدد من « السنيدة» الذين ينافقون الرئيس وحزبه خشية من سيف المعز أو طمعا فى ذهبه. ثانية هذه الملاحظات هى التوقف بقدر كبير من التقدير لما ورد على لسان الدكتور محمد محيى الدين من ملاحظات ثاقبة تتعلق بضرورة إعادة قانون الانتخابات إلى المحكمة الدستورية العليا مجددا حتى لا يُطعَن فى المجلس الجديد ويلقى نفس مصر المجلس المنحلّ، وفى مطالبته الرئيس بتغيير الحكومة وتشكيل حكومة جديدة سواء على أرضية التوافق الوطنى أو حكومة تكنوقراط. أما الملاحظة الثالثة التى أعتبرها أكثر أهمية فهى موقف ورؤية الدكتور يونس مخيون رئيس حزب النور، فقد كان الرجل متسقا مع نفسه عندما احتجّ وهمّ بمغادرة الاجتماع لانتهاء الجولة الأولى دون منحه الكلمة رغم منحها لشخصيات تنتمى إلى أحزاب تحت التأسيس وأخرى حصلت على الترخيص للتوّ وثالثة لها مقعدان فى المجلس السابق، وتساءل الرجل كيف لا يُمنَح الحق فى الكلام رغم أنه ممثل الحزب الثانى فى البلاد. وعندما تحدث الدكتور مخيون فقد عبر بوضوح وعلى نحو شامل عن موقف المعارضة وجبهة الإنقاذ، قدم للرئيس ملفًّا كاملًا عما يجرى من عمليات أخونة للمواقع الرئيسية فى الدولة، قدم له ملفًّا يحتوى على الأخونة فى عشر محافظات، وقال له «لدينا ملف آخر أوشكنا على الانتهاء منه عن الأخونة فى تسع محافظات أخرى». طالب الرئيس بأن يرى الحقائق على الأرض، يرى الانقسام فى الشارع، يرى الاحتقان والغضب ويتعامل بجدية مع كل المطالب الخاصة بضمانات نزاهة الانتخابات، طالبه بالشفافية والوضوح، حدد مطالبه فى نقاط واضحة: حكومة جديدة، إعادة قانون الانتخابات للمحكمة الدستورية العليا، تنقية كشوف الناخبين من قِبَل لجنة محايدة، الإشراف القضائى الكامل والرقابة المحلية والدولية على الانتخابات. كان الدكتور مخيون رائعا فى شرح وجهة نظر المعارضة وطرحها بقوة ووضوح، وأعاد طرح مبادرة الحزب التى سبق ووافقت عليها جبهة الإنقاذ، مؤكدا أن الرئاسة وعدته بأن تكون المبادرة على مائدة الحوار، وتساءل عن موقعها فى هذا الحوار الذى يدور حول ضمانات نزاهة الانتخابات. أما الفقيه الدستورى الدكتور ثروت بدوى فليسامحه الله فى كل ما قال، فقيه دستورى يغازل السلطان ويقول له اضرب بيد من حديد، افرض الطوارئ لا تبحث عن التوافق لأنها قضية غير موجودة فى أى بلد فى العالم، متسائلا «توافُق مع من؟»، نجح الدكتور مخيون فى التعبير عن رؤية المعارضة وطرح رأيه بقوة ووضوح، فى حين رسب الدكتور بدوى فى أن يغلب قناعاته كفقيه دستورى وقدّم فاصلًا فى مديح الحاكم مطالبًا إياه بفرض الطوارئ على المصريين.