عوامل كثيرة ستمنع الجيش من التفكير فى التدخل مباشرة ضد السلطة فى مصر.. العامل الأول أن محمد مرسى له شعب لا بأس به من المؤيدين المؤدلَجين.
والعامل الثانى أن الجيش لم يفرز بعد القيادة القادرة على جمع الناس حولها بثقة. الجيل الحالى، بعد مرور ٤٠ سنة على حرب أكتوبر، يكاد يكون بلا انتصارات تُذكَر. لكن وزير الدفاع عبد الرحمن السيسى يكتسب ثقلا شعبيا يوما بعد يوم. كونه مستحقا أو غير مستحق ليس القضية هنا، هذا مجرد تسجيل للواقع.
أما العامل الثالث فهو الإرادة الدولية. الدعم الأمريكى للتجربة المصرية لا يزال صبورا. لا يريد أن يعترف بأنه أساء تقدير الأمور كما أساءت أوروبا من قبل تقديرها مع النازيين. ربما لأن الإخوان لا يزالون فى مرحلة أخونة مصر قانونيا وإجرائيا، وهى مرحلة مر بها النازى أيضا بتقنين -خدى بالك- التمييز العنصرى بين أبناء ألمانيا، وتحويله من ممارسة اجتماعية شائعة إلى قانون. هذه المرحلة الداخلية عادة ما تغرى القوى الخارجية بالصبر.
بعبارة واحدة: مصر لم تصل بعد إلى «the tipping point» (نقطة فيضان الكيل).
على خلاف ما يُشيع الإخوان عن جبهة الإنقاذ. لقد ارتاب فيها الشارع فى أثناء أحداث «الاتحادية» والدستور لأنه اعتبر دورها تنفيثا لذلك الاحتقان، ويصب فى صالح الحكم الإخوانجى. بل إن الإخوان أنفسهم يعلمون ذلك فى قرارة أنفسهم. وبذلك فقدت الجبهة رصيدًا لا بأس به من الثقة.
لقد كانت حركة الشارع رد فعل لسلوك السلطة الإخوانجية، وليست بفعل المعارضة.
ثم إن الشارع أعاد الكرة فى مدن القناة، دون أدنى دور لجبهة الإنقاذ. بل إن الجبهة فشلت فى استثمار هذا سياسيًّا، وبالتالى ظهرت أقل من الدور المنوط بها مرة أخرى.
وكانت حركة الشارع -أيضا- رد فعل لسلوك السلطة الإخوانجية، لا بفعل المعارضة.
والآن هناك عاملان ينظر إليهما المراقبون بترقُّب، أحدهما مستمر هو الظروف الاقتصادية، والثانى محدَّد الأجل هو الانتخابات البرلمانية.
السلطة الإخوانجية تحتاج إلى يد السماء جدًّا، تحتاج إلى أن تنفتح عليها السماء بالبركة كما كان الإسلامجية يبشِّرون فى خطبهم. إن لم يحدث هذا سريعا فإن الوضع الاقتصادى ولا سيما مع انهيار السياحة، ومع أولوية الإخوان فى احتكار السوق لصالح رجال أعمالهم وتطفيش المستثمرين المصريين والأجانب، سينهار تماما. ليست تلك مجرد تخويفات كما كان الظن عقب إسقاط مبارك. هذه حقيقة بالأرقام.
الاقتصاد -أيضا- ينهار بفعل السلطة الإخوانجية وسلوكها الاحتكارى وضيق أفقها، لا بفعل المعارضة.
أما العامل الثانى فهو الانتخابات. إن مما يؤخر المواجهة الحاسمة بين الشارع والسلطة بقاءَ بصيص أمل فى أن تنعدل الموازين. هذا البصيص كان الانتخابات البرلمانية. لذلك فإن الأمريكيين يدفعون فى اتجاه المشاركة، تماما كما ضغطوا على جبهة الإنقاذ فى اتجاه تخفيف اللغة أيام مواجهات الدستور، لأنهم يخشون من لحظة المواجهة تلك. أهم مصلحة لأمريكا فى مصر هى استقرارها.
لكن مقاطعة جبهة الإنقاذ للانتخابات وضعت السلطة الإخوانجية أمام خيارين أحلاهما مر: الأول إفساح المجال لقواعد شعبية «مأمونة» من النظام السابق لدخول الانتخابات، وبالتالى إقرار سابقة تجرُّد السلطة الإخوانية من سلاح العزل فى المستقبل، ولكنها فى نفس الوقت ستفيدهم فى تخفيف الاحتقان فى الشارع، ستعزل جبهة الإنقاذ مرحليًّا، لكنها فى نفس الوقت ستقويها سياسيا أمام أنصار النظام القديم الذين طالما اتهموها بـ«خدمة أغراض الإخوان»، وستتحول الجبهة إلى البديل المعارض الوحيد على الساحة. هذا خيار.
الخيار الثانى هو «الانتخابات بمن حضر»، تقريبا نفس من حضروا كتابة الدستور. الانتخابات على هذه الصورة ستقضى على أى احتمال لتشكيل حكومة ذات قاعدة شعبية أوسع، وستقضى على أى احتمال لتغيير فى التوجه لمدة أربع سنوات قادمة، وستحمِّل الإخوان وحدهم نتيجة الأزمة الاقتصادية التى لا يمكن تجنُّبها (سواء حكموا هم أو حكم غيرهم). وستقدم دليلًا إضافيًّا للشعب على أننا فى حكم طائفى لمجموعة من الناس لا للشعب. وهذا سيعنى لا شىء، لا شىء، سوى المواجهة. وربما الوصول إلى نقطة «فيضان الكيل» التى تحدثنا عنها، والتى ستقلب الموازين. هذا أيضا بفعل السلطة الإخوانجية التى ترفض تقديم ضمانات لنزاهة الانتخابات.
أظن هذا ما عناه د.البرادعى حين قال إن «سلوك السلطة يمهد الأجواء لعودة الجيش». تلك هى الحقيقة!