كتبت قبل فترة أن الرئيس رحل معنوياً. أُصرُّ على أن أكرر هذا المعنى. اليوم أضيف: الرئيس الذى رأيناه فى جلسة الحوار الوطنى ليس هو الرئيس الذى رحل معنوياً فقط. هو الرئيس رحل تقريباً. انتقل لمرحلة الرحيل ما بعد المعنوى. ذهب. كونه ذهب قد يعنى أن عليه أن يعود من جديد بطريقة يستعيد بها موقعه. هل ذهب ولن يعود؟
الإخوان من البداية استخفوا بالأزمة. تعاملوا مع الموقف بطريقة متعالية. قالوا: دع الآخرين يلهوا، سوف يملون، سيمر الوقت، سيحل وقت الانتخابات، سوف نكمل الطريق، سنمضى نحو ما نريد دون أن نعبأ بهم. لم يدرك الإخوان عدة أخطار وهم ينهلون من غرور القوة. أول خطر هو «قوة الضعف». جبهة الإنقاذ قد تبدو ضعيفة، لكنها تتمتع بقوة الضعف. المشاركة فى الانتخابات إضفاء منها على شرعية الغرور. المقاطعة تساوى انهيار شرعية يعتقدها الإخوان. الإصرار على المقاطعة يحوّل الديمقراطية الناشئة إلى مجسم كرتونى لا يقنع أحداً!!!
راهن ممثل الإخوان فى حوار تليفزيونى يوم الاثنين على مشاركة الوفد فى الانتخابات. قاطع الوفد. متغيّر جوهرى. فوجئ الإخوان بانفلات حزب النور من قبضتهم. خرج عليهم. دخل معهم مواجهة مفتوحة. ذهب إلى حوار الرئيس. وضع ممثله على المائدة قنابل. فجَّر الحوار. لم يجد الإخوان رداً. ألقى الكتاتنى رأسه إلى الوراء كما لو أنه ترك الحوار رغم حضوره. يعانى من إرهاق الضغوط. لسان حال حزبه وجماعته: النور هو الخطر الثانى. يعبر عن انفراط التحالف الدينى للإخوان. أصبحوا تقريباً معزولين قبل أن تتم الانتخابات.
بدا الرئيس يحاول أن يدافع عن شرعيته. يحاول أن يدافع عن تماسكه. لا يمكنه ذلك. للمرة الخامسة أو السادسة يدعو المعارضين للحوار فلا يحضرون. لا يجدون لوماً من الرأى العام. بالعكس يجدون ترحيباً. تكرار رفض الحوار مع الرئيس هو تأكيد لرفضه هو. هكذا يترسّخ عدم الاعتراف بالعملية السياسية التى يديرها. فجأة أدرك أن تعاليه وجماعته أصبح نقمة عليه. انتبه وفق قراءتى لمشاهد الحوار. هو فى مأزق كبير. الجماعة ليست لديها حلول. أفضل الخيارات أمامها شديدة المرارة. الضغوط تتوالى. الأزمة تتضخم. سوف تصل إلى مرحلة معقدة.
يصل وزير الخارجية «كيرى» إلى مصر قريباً. سيجتمع بالرئيس، ويجتمع بمعارضيه، وقادة الجيش. لم يعد الرئيس هو الطرف الوحيد فى اللعبة. لم يعد الإخوان هم المحرك الأهم ولا أحد سواهم. منذ فبراير ٢٠١١ تتبع واشنطن منهج الاتصال بالجميع علناً. تقول البيانات الأمريكية دائماً إن السفارة فى القاهرة تتصل بالجميع. لم يكن يحدث هذا فى حكم مبارك بتلك الصورة المكشوفة.
زاد تعقيد الأزمة بسبب عناد الإخوان. سيدفعون الثمن فى وقت اعتقدوا فيه أنهم سوف يبتلعون كل الثمار. لا يسيطرون على الإيقاع. تتحرك من بين أيديهم المسارات فى وقت واحد. لا تعرف هل هم يدركون ذلك ويتعمّدونه، أم أنهم لا يُحكمون قبضتهم على القيادة. قانون للتظاهر مرفوض. قانون للصكوك مرفوض. قانون للانتخابات مرفوض. مجلس الشورى مرفوض. أسلوب اختيار النائب العام مرفوض. سلوك سياسى عام مرفوض. حوار مرفوض. مشاركة فى الانتخابات مرفوض. الحكم يحاصر سياسياً بالرفض. ذهب ولن يعود.