هل يمكن أن يأتى يوم تعود فيه سوزان مبارك إلى الحياة العامة، وتشتغل بالسياسة، وترشح نفسها فى البرلمان، وتكسب، وتصبح بالفعل عضواً فيه؟!.. وهل يمكن أن يحدث هذا بالصورة نفسها مع جمال وعلاء مبارك؟! قد يبدو السؤال غريباً فى نظر بعضنا، وقد يبدو مجرد طرحه مرفوضاً، من جانب بعضنا الآخر، وقد يرحب به آخرون، ولا يرون فيه شيئاً، بل يرونه مطلوباً.
وفى كل الأحوال، فإن الذى أغرانى بطرح سؤال من هذا النوع أنى حين كنت فى الفلبين، الأسبوع الماضى، عرفت أن حكاية كهذه حصلت مع إيميلدا ماركوس، أرملة ديكتاتور الفلبين الراحل، وحصلت الحكاية مع ابنيها أيضاً، وصار الثلاثة أعضاء منتخبين فى برلمان بلدهم، بعد أن كان الشعب الفلبينى قد ثار عليهم عام 1986 فلاذوا بالفرار وقتها، وهربوا إلى الخارج، أمام ثورة الشعب الذى أنهى بثورته 20 عاماً من القبضة الحديدية، كان ماركوس قد حكم بها على مدى عقدين من الزمان!
سألت أكثر من شخص فى العاصمة مانيلا عن السبب الذى جعل أبناء الفلبين يثورون على «ماركوس»، وأسرته، ثم ينتخبون أفراد الأسرة ذاتها، فى برلمانهم بعدها بسنوات، وكان التفسير أن القصة هنا لها سببان أساسيان: السبب الأول أن الثورة مضى عليها 26 عاماً، وبالتالى، فإن الجيل الذى ثار ليس هو الجيل الذى انتخب، وبمعنى آخر، فإن جيلاً آخر قد نشأ، وهو جيل لم يكن قد عايش ديكتاتورية ماركوس، ولا فساده، ولذلك لم يجد حرجاً فى انتخاب الزوجة وابنيها، ولم يجد مانعاً فى أن يكونوا موجودين فى بلدهم، وأن يخدموه بالطريقة التى يحبونها، ماداموا سوف يلتزمون بقواعد وأصول ما بعد «ماركوس»!
وأما السبب الثانى ـ وهو فى ظنى الأهم ـ فهو أن الدولة الفلبينية بوجه عام قد تسامحت بشكل أو بآخر مع عصر ماركوس بأعوامه العشرين، وتبين لها أن عصراً جديداً فى أى بلد، وليس فى الفلبين وحدها، لا يمكن أن يقوم على قطيعة كاملة مع عصر آخر مضى، لأن هذا العصر الذى انقضى لا يمكن أن يكون خيراً كله، ويستحيل أن يكون شراً كله بحكم طبائع الأمور، ولذلك فكل ما هو مطلوب أن يتم البناء فى العصر الجديد على ما تم بناؤه من قبل أياً كان حجمه، و أن يكون كل ما كان سيئاً فيه بمثابة الدرس الذى يجعلنا لا نكرره من جديد، ولا نقع فيه مرة ثانية، وهكذا يستفيد جيل لاحق من جيل سابق، وهكذا أيضاً تعرف الشعوب فكرة التراكم فى حياتها عهداً بعد عهد.
فإذا أسقطنا ما حدث عندهم فى هذا الإطار على ما حدث عندنا، ولايزال يحدث، فسوف يتضح لنا أن جزءاً كبيراً من عدم الاستقرار الذى يعرفه واقعنا هذه الأيام إنما يرجع إلى أن الإخوان المسلمين لا يريدون فقط استبعاد الذين عملوا بالسياسة فى عصر مبارك، ولكنهم يريدون أيضاً تهميش كل ما عداهم من القوى السياسية الفاعلة فى الحياة العامة، وهو مسلك لا يمكن أن نعرف الاستقرار فى ظله، ولا يمكن أن يستقيم أمر الحكم فى أيامنا هذه ما لم يكن كل الذين سبقوا وغيرهم شركاء حقيقيين فى القرار، خصوصاً أبناء العصر الماضى، ماداموا غير متورطين فى جرائم، ومادام القانون قد برأهم من كل ما قد يكون موضع إدانة فى نظر الرأى العام. خذوه درساً من الفلبين، فى أقصى جنوب شرق آسيا، ولا تكونوا على قطيعة مع عصر، ولا مع نظام حاكم سبق، واختصروا الوقت الذى قطعوه فى مانيلا فى هذا الطريق، مادام ذلك فى صالح الوطن.