- ليس عيباً أن يستعين الرئيس بأهل الخبرة فى التعامل مع الجماهير، على الأقل للوصول إلى القبول الشعبى، ليس عيباً أن يتعلم كيف يصل إلى قلوب الجماهير، مع أن القبول هو هبة من الله، ولم نسمع أن هناك مناهج دراسية فى المدارس أو الجامعات تمنح شهادة فى الكاريزما، أو القبول الشعبى حتى يأخذ رئيس الجمهورية دروساً خصوصية، لكن الاحتكاك بقضايا الجماهير قد يغير من مشاعر الحكام، وهذا هو ما نتمناه فى رئيس جمهوريتنا بعد أن حصل على تقدير ضعيف جداً فى الوصول إلى قلوب الجماهير.
- الدكتور محمد مرسى تصور أنه عندما روى واقعة بكائه بعد أن سمع أن طفلاً كان يبيع طفولته بـ٧٠٠ جنيه مقابل أن يرمى المولوتوف، وهو يرتكب عملاً جنائياً من أجل أن يأكل.. هل هذه الواقعة هى التى تهز مشاعر الرئيس وتجعله يبكى، وهل كان يتوقع من الجموع التى كانت تنتظر خطابه بعد منتصف الليل أن تشاركه فى البكاء على هذه الواقعة؟ للأسف لقد خانه ذكاؤه، ولم يفهم طبيعة المصريين، وكأنه كان يستخف بعقولهم عندما روى لهم قصة بكائه، حتى جعل الناس تتساءل لماذا لم يبك الرئيس على الطفل بائع البطاطا، الذى قُتل برصاصة صديقة انطلقت بغير قصد أو ترصد من أحد أبناء القوات المسلحة، والرئيس يعلم كيف حزنت مصر على فقدان هذا الطفل البرىء؟.
- فعلاً لماذا لم يبك الرئيس على شهداء بورسعيد، أليس هم الأحق بدموعه من الطفل الذى غُرِرَ به، واستخدموه فى عمليات التدمير والتخريب؟، وكون أن يتأثر الرئيس به لأن الطفل كان يبحث عن رغيف عيش، فلماذا لم يتأثر الرئيس بألوف الأطفال، الذين يبحثون أيضاً عن كسرة خبز فى صناديق الزبالة، ولا يهم إن كانت محشوة بالعفن أو القاذورات.. ألا يعلم الرئيس بهم؟
- للأسف سقط الرئيس فى اختبارات القبول الشعبى، وقد كانت فرصته هى تحسين صورته فى الالتحام بقضايا الشارع المصرى.. المحيطون به تنقصهم الخبرة والحنكة، كان فى إمكانهم أن يجعلوا من هذا الرجل نجماً فى كل بيت، وألا يجعلوا منه أضحوكة على استخفافه بعقول المواطنين، هو يعلم جيداً أن مدن القناة فى حالة ثورة وغليان، ولم يبد تعاطفه مع شهدائها الأبرياء، لم نسمع أنه أصدر قراراً يثلج صدور أهاليهم، فقد كان الذكاء مطلوباً.. يا ليته أصدر قراراً بانتقال مجلس الوزراء بكامل هيئته إلى مدينة بورسعيد، والتقى القيادات الحزبية والشعبية، ونفذ لهم جميع مطالبهم على الطبيعة.. صدقونى لو فعلها مرسى، وطلب من الحكومة ألا تعود قبل تحقيق مطالبهم.. بهذا التصرف كان فى مقدور الرئيس أن يكسب شعبية مصر كلها بمن فيهم العبد لله.. لكن قدره فى مستشاريه الذين يجهلون فن التعامل مع الجماهير.
- أشياء كثيرة تنقص هذا الرجل، وحواره مع عمرو الليثى لم يكن موفقاً، الأسئلة عشرة على عشرة، وقد كانت من العيار الثقيل، والإجابة كانت ضعيفة.. يحاول التزويغ فتأتى الإجابة على سطر، ويترك عشرة أسطر بيضاء.. يعنى إجابات ناقصة مغلفة بالبعد عن الحقيقة، فمثلا إجابته عن الوضع القانونى للمستشار طلعت عبدالله، النائب العام، مع أننى لا أختلف على كفاءة ونزاهة هذا الرجل، فقد سأله عمرو الليثى عن وضعه بعد التظاهرات التى طالبت بتصحيح وضعه، أكد الرئيس أن النائب العام جاء فى ظل الدستور، وللأسف الرئيس يعرف أنه تسلم عمله فى غياب الدستور، وأنه جاء مفروضاً على مجلس القضاء الأعلى، ودون علمهم، أى سقط فوق رؤوسهم بباراشوت رئاسى، وقد كان الرئيس يضحك على الشارع المصرى، الذى يعرف قصة مجيئه، وكيف زُج به لخلع النائب العام السابق الدكتور عبدالمجيد محمود عن موقعه، مع أن المستشار طلعت عبدالله لا ذنب له فى هذه الأحداث، فالرجل بطبيعته يحترم نفسه، ويحترم زملاءه رجال القضاء، وقد زاد احترامى له، لأنه لم يخض فى سيرة سلفه.. لقد كنت أتمنى أن يكون هناك وضوح فى إجابة الرئيس.
- على أى حال مطلوب من الرئيس أن يعيد حساباته، ويتعلم فن التخاطب مع الجماهير إذا كان يريد أن يكون رئيساً لكل المصريين، فاحترام الإرادة الشعبية، وعدم الاستخفاف بالعقول هما الطريق إلى القلوب.