■ كانت ندوة الجامعة الأمريكية مع الزميل العزيز د. باسم يوسف، التى أدارها الإعلامى الخلوق حافظ الميرازى- والذى أرجو له العافية من مرضه - نموذجاً يحتذى فى الاختلاف الفكرى مع الرقى الإنسانى والأخلاقى.
■ وقد طرحت قضايا كثيرة لم يسعفنا الوقت لتوضيحها، منها ما ذكره د. باسم عن سيدنا عثمان بن عفان.. وأحسب أن د. باسم لم تسعفه مشاغله الكثيرة للقراءة المتعمقة عنه.. وأنا أدعوه وغيره لقراءة هذه السطور:
■ سأبدأ من آخر المشاهد فى حياته، والتى أبكتنى مراراً كلما قرأتها وتأملتها.. فالثوار يحاصرون بيت الحبيب عثمان البسيط.. يحرمونه من الصلاة فى المسجد النبوى الذى وسّعه من حر ماله بعد أن اشترى البيوت المجاورة له وضمها إليه.. ويحرمونه من الطعام والشراب وهو فى الثمانين من عمره، وهو الذى اشترى «بئر رومه» وجعلها صدقة للمسلمين.. يهبهم الماء فيحرمونه منه.. يهبهم الحياة فيريدون قتله.. يستحيى منهم فيفجرون معه.. يمنعونه زواره.. ويحرمونه من أدنى حقوقه.
■ لقد قال لهم: «إن الناس قد أسرعوا إلى الفتنة وطال عليهم عمرى أما والله لئن فارقتهم ليتمنون لو أن عمرى طال فيهم كل يوم بسنة.. وذلك مما يرون من الدماء المسفوكة».
■ وقد تحققت نبوءة الخليفة الصادق.. فما إن قتله الثوار ظلماً وبغياً إلا وتفجرت أنهار الدم بين المسلمين، حتى وصلت إلى 80 ألف قتيل.. ولولا الحسن بن على ومبادرته العظيمة للصلح ما توقفت أنهار الدم.
■ لقد حاصروا خليفتهم الذى تستحيى منه الملائكة، كما قال عنه رسول الله، صلى الله عليه وسلم، «ولكن أنى لهم الحياء والخجل».
■ لقد أبى أن يدافع عنه الصحابة حتى لا تسيل الدماء بسببه.. فدماء الآخرين أهم عنده من نفسه.
■ لقد كان الحبيب عثمان بن عفان فى شغل عمن يحاصره أو يشتمه، فقد قام الليل، ثم أوى إلى فراشه صائماً.. فجاءه حبيبه «صلى الله عليه وسلم» فى المنام قائلاً له: «أفطر عندنا يا عثمان»، فدعا جميع من يدافعون عنه إلى إلقاء سلاحهم والعودة إلى بيوتهم.. قائلاً لهم: «أناشدكم الله ألا تهرقوا بسببى دماً، إن أعظمكم عنى غناءً رجل كف نفسه وسلاحه».
■ ثم قال للثائرين «أيها الناس لا تقتلونى.. فوالله لئن قتلتمونى لا تتحابون بعدى أبداً ولا تصلون جميعاً بعدى أبداً».. ثم عاد إلى حجرته فصلى ركعتين وجعل يتأمل حياته قبل أن ينظر فى مصحفه.. لقد كان من أوائل السابقين إلى الإسلام.. ترك الدنيا كلها دفاعاً عن الإسلام ونبيه.. جهز جيش غزوة تبوك «العسرة» وحده ومن ماله الخاص.
■ تذكر ما قاله الرسول، صلى الله عليه وسلم، له وقتها «ما ضر عثمان ما فعل بعد اليوم».
أيقن أن هؤلاء الثوار لن يفهموا مثل هذه المعانى العظيمة.. إنهم الآن يقفزون على السور.. دهش الخليفة الخجول وهو يرى أن أول المتقدمين منه هو محمد بن أبى بكر الصديق.. ذهل أكثر وهو يمسكه من لحيته.. ما أسوأ الأبناء إذا فسدوا قال له: «يا ابن أخى دع لحيتى فوالله لقد كان أبوك يكرمها»، استحيا ابن الصديق من فعلته.. جن جنون المهاجمين فاندفعوا نحو الخليفة العظيم يضربونه بالسيوف وهو يقرأ القرآن.
■ لقد نسوا أنه أول من خط القرآن بأنامله.. أراد أن يذكرهم قائلاً: «والله إنها لأول يد كتبت آى القرآن».. لأنه أول من كتب الوحى.. ولكن هيهات لهؤلاء الأوغاد أن يسمعوا أو يبصروا أو يرحموا.
■ وللحديث بقية إن شاء الله...