كأننا فى مشهد من المسرحيات الميلودرامية التى كان يقدمها يوسف وهبى مع أمينة رزق، والتى كانت دموع المتفرجين فيها لا تتوقف. هكذا كان الأمر والأخ الرئيس فى لقاء الفجر التليفزيونى يدعو الناس لتبكى معه على الطفل ابن الثالثة عشرة الذى وضعت أمه شهادة ميلاده فى جيبه لتتعرف عليه إذا حدث له مكروه، ثم دفعت به إلى المشاركة فى المظاهرات (أو أعمال البلطجة كما يسميها الأخ الرئيس) بعد أن قبضت 600 جنيه ثمنا لذلك!!
دع عنك حقيقة أن الأخ الرئيس يعرف بالقطع من هم الذين يدفعون لحشد الناس، ومن هم الذين يأتون بالأتباع فى الأوتوبيسات من مختلف أنحاء مصر ليشاركوا فى مظاهرة، ومن هم الذين ينفقون الملايين ويتلقون الملايين من «الكفيل» المحلى أو العربى أو الأجنبى!!
دع عنك هذا واسأل نفسك: ماذا عن الذين سبق للأخ الرئيس أن اتهمهم فى أحداث الاتحادية بالبلطجة، وقال إنهم قد تم القبض عليهم واعترفوا بما ارتكبوه من جرائم وما قبضوه من أموال.. ثم جاءت النيابة لتفرج عنهم جميعا بعد أن رفضت الضغوط التى مورست عليها لإبقائهم فى الحبس الاحتياطى.. حتى لا تغضب الرئاسة ولا يُحرج الأخ الرئيس!!
ثم اسأل نفسك مرة ثانية: إذا كانت دموع الأخ الرئيس التى رافقت قصة الطفل وشهادة الميلاد.. فماذا عن بائع البطاطا وأين دموع الرئيس فى مأساته؟ وماذا عن أطفال ظهروا أمام شاشات التليفزيون يروون قصص العذاب والهوان والتعذيب بالكهرباء وانتهاك الأعراض التى قام بها من اختطفوهم واحتجزوهم فى معسكرات الأمن المركزى بعيدا عن عيون القانون.. ماذا عن هؤلاء الأطفال؟ ولماذا غابت دموع الأخ الرئيس مع مأساتهم؟ وكيف ذهب بعد ذلك ليهنئ المسؤولين عن هذه الجرائم ويشد من أزرهم ويعدهم بالتأييد المطلق؟
فى نفس اليوم الذى شهد واقعة «حوار الفجر» مع الأخ الرئيس كان الطب الشرعى يكشف عن تقريره الخاص بشهداء بورسعيد فى 26 يناير وما بعدها. وكان التقرير يؤكد أنهم قتلوا بالرصاص الحى من النوع الذى تستعمله الشرطة مع أهل المدينة التى تعيش الأيام فى ظل العصيان المدنى وموجات الغضب التى لا يعرف أحد إلى أين تنتهى. والحقيقة أن الأخ الرئيس بدا منزعجا وهو يخبرنا بأن واحدا من جماعة الإخوان قد جرح أو «اتعور» فى بورسعيد.. ولعل إعلان الرئيس عن زيارته لبورسعيد كان بغرض الاطمئنان على ابن الجماعة!!
أيضا فى نفس اليوم الذى أذيع فيه «حوار الفجر» كان قد تم العثور على جثمان الشهيد الشاب محمد الشافعى الذى اختفى من ميدان التحرير فى 29 يناير وعثر عليه مساء الأحد فى المشرحة بعد قتله بالرصاص فى الرأس والصدر. لينضم الشافعى إلى قافلة الشهداء الذين تجاوزوا السبعين فى بضعة أيام كان فيها الحكم يحتفل!! بمرور عامين على الثورة بتنفيذ مخطط للتخلص من قيادات شباب الثورة، بالقتل المباشر فى المظاهرات، أو بالاختطاف والتعذيب ثم إلقاء الجثث فى الشوارع أو المستشفيات أو مشرحة زينهم!! وبالطبع لم يكن لدموع الأخ الرئيس وجود على غياب خيرة شباب الثورة، بل كان الثوار يتحولون -فى نظر الرئيس- إلى بلطجية!!
البلطجية الحقيقيون كانوا يستمعون «لخطبة الفجر» ثم يبدؤون مرحلة جديدة من حكم الميليشيات تحت رعاية الأخ الرئيس وجماعته وحزبه. فى المنصورة وغيرها من المدن ظهرت العصابات المسلحة تتصدى للمتظاهرين، وتحاول إيقاف امتداد العصيان المدنى من بورسعيد المناضلة إلى باقى أنحاء مصر وتكشف أحداث المنصورة أول من أمس عن توجه جديد لدى الحكم. كانت ميليشيات الإخوان المسلحة تقف مع رجال الشرطة «إيد واحدة» فى مواجهة مظاهرات الغضب، ولا أظن أن دموع الأخ الرئيس تساقطت وهو يعلم أن قنابل الغاز قد أطلقت على «حضانات المواليد» فى المستشفيات!!
إنه «الحوار الحقيقى» كما تفهمه الفاشية.. فاستعدوا لهذا الحوار!!