نام الرئيس مبكرًا كعادته حتى يلحق بصلاة الفجر حاضرًا ولكنه لم يمنح شعبه ولا حتى أهله وعشيرته الفرصة لأداء الفرض، لقد ترك لهم لغمًا تفجَّر فى وجوههم بعد الواحدة صباحًا فمنعهم من اللحاق بالصلاة، شعروا بعد حديث مرسى بالخوف من الغد حال بينهم وبين النوم ولم يمكّنهم أيضًا من الاستيقاظ، الجميع أُصيبوا بالدروخة.
الدولة الإخوانية وجدت لها منفذًا جديدًا من خلال قناة «المحور» التى تجيد فى كل العهود ضبط موجتها، الرئاسة تريد أن تمد جسورها إلى قناة خاصة لا إخوانية ولا سلفية ولا حكومية إلا أنها فى الحقيقة تجيد صُنع هذه الخلطة الثلاثية.
عندما يُعلَن رسميًّا أن الحوار سيُعرض فى الثامنة مساءً فهذا لا يعنى سوى أن الحوار تمت مراقبته ووافقت عليه كل الأجهزة، وعندما يتأخر خمس ساعات فإن هذا يعنى أن جهة سيادية وافقت ثم تراجعت وطلبت إضافة جملة أو حذف فقرة أو تغيير صيغة سؤال، بينما تتحمل المحطة فى هذه الحالة الخطأ أمام المشاهدين لتعلن على مسؤوليتها أن الأسباب تقنية وليست لها علاقة بجهات سيادية داخل مؤسسة الرئاسة.
الدنيا تغيرت والرئيس لا يستطيع أن يضبط مفرداته ولا إيقاعه ولا أفكاره، وليس لديه شىء يقدمه للجماهير الغاضبة سوى أنه سوف يكمل المسيرة من أجل مصلحة الوطن.. كان لقاءً مضروبًا بكل المقاييس وقدم من حيث لا يدرى أكبر دعاية لحفل توزيع الأوسكار الذى يتابعه أكثر من ربع سكان المعمورة، لحظة عرض الحفل توافق مع الحوار.
الرئيس لم يحسم شيئا والأوسكار لم يحسم شيئا، صحيح أن فيلم «أرجو» إخراج بن أفليك حصل على جائزة أفضل فيلم ولكنك ستكتشف أن فيلم «حياة باى» للمخرج الصينى أنج لى حصل على جائزة أفضل مخرج والتصوير والمؤثرات البصرية وأفضل موسيقى أصلية، كما أن فيلم «حب» لميشيل هانكة، المخرج النمساوى، حصل على جائزة أفضل فيلم أجنبى وكان مرشحًا بقوة لجائزة أفضل فيلم فى المسابقة العامة.. معركة الأوسكار لم تُحسم فعليًّا بين الأفلام الثلاثة، والسؤال الذى يتردد هل لعبت السياسة دورًا لصالح فيلم «أرجو» حيث إنه يمجِّد جهاز المخابرات الأمريكى كما أنه على الجانب الآخر يتغزل فى السينما من خلال فن الماكياج والحيلة الدرامية التى لجأت إليها الأجهزة فاستعانت بهوليوود لخداع السلطات الإيرانية التى احتجزت فى أعقاب ثورة الخمينى 52 رهينة أمريكيين.. الفيلم يجمع بين الكوميديا وتوتر الفيلم البوليسى ويظل المتفرج يتابع حتى اللحظات الأخيرة مصير الرهائن حتى يتمكنوا من عبور المجال الجوى الإيرانى، إنها مهمة مستحيلة لم تتحقق لولا هذا الخيال المغرق فى شطحاته.
المؤكد أن الفيلم حتى ولو استند كما تشير التترات إلى وقائع موثَّقة فى المخابرات الأمريكية فإنه أضاف وحذف الكثير، إلا أن السؤال: هل السياسة لعبت دورًا رئيسيًّا فى توجيه مسار الجائزة خصوصا أن عدد أعضاء الأكاديمية للفنون والعلوم الأمريكية الذى يقترب من 6 آلاف عضو هم فى النهاية الذين يحددون اسم الفيلم الفائز؟
لا أتصور أن جائزة الفيلم تشكل امتدادًا لتلك المعركة الدائرة بين أمريكا «الشيطان الأكبر» كما يصفها الإيرانيون ولا بين «الدولة المارقة» إيران كما تصفها الإدارة الأمريكية، كانت إيران قد تحفظت هذا العام عن الاشتراك بفيلم «قطعة سكر» للاشتراك فى مسابقة أفضل فيلم أجنبى بالأوسكار كرد فعل لتلك الحالة من التوجس، رغم أنها فى أوسكار 2012 حصلت بفيلم «انفصال» للمخرج أصغر فرهادى على تلك الجائزة.
السياسة فى ظل التصويت الجماعى لا أراها من الممكن أن تلعب دورًا حيث إنه من غير المتصور أن تأتى تعليمات لكل أعضاء الأكاديمية بالانحياز إلى هذا الفيلم أو ذاك، ولو حدث ذلك فهل من المنطقى أن يتواطأ الجميع ولو حتى بالتزام الصمت.
فيلم «أرجو» يحمل رؤية مغايرة لأفلام الأكشن بملامحها التقليدية وهو بالنسبة إلىّ ليس الأفضل، حيث إن المسافة تقلصت بين الأفلام المرشحة ولو كان لى صوت لَذَهبت به مباشرة لفيلم «حب» النمساوى، أما أسوأ فيلم الذى تمنحه رابطة الصحفيين الأمريكية ومعروف باسم «التوتة المعطوبة» -الوجه القبيح للأوسكار- فأنا أقترح أن نتقدم فى العام القادم بفيلم «حوار مرسى الأخير» فى هذه الحالة فإن التوتة المعطوبة من المستحيل أن تخطئه!!