كلما قال المرسى «أنا».. ضحكت.
فهناك رئيس جمهورية يريد التأكيد لنفسه ولمن يسمعه أنه موجود بينما يرى كل من حوله أنه مجرد صورة أو واجهة.. لافتة لآخرين لا نراهم معه على الشاشة.
يكرر كلمة أنا ليقنع نفسه قبل الآخرين أنه موجود.. وأن كلامه وحده له قيمة، وهذا يسمونه فى فن التمثيل اندماجا مفرطا يجعلك لا تصدق الممثل.
هذا النوع من الممثلين يحفظ ولا يفهم دوره، كما أنه لا يمتلك مهارات تجعله يسيطر على الدور الذى يمثله، الدور دائما يركبه و«يفضح» ضعفه وركاكته.
وهذا ما يبدو سر المونتاج الطويل والمرتبك لحوارات المرسى، ليس لأنه أخطأ، أو لأنه قال ما يصدم الجمهور ولكن لأن هناك من «يمنتج» الرئيس ليؤدى دوره كما هو مكتوب له.
نحن لسنا «شخصية» أو «ذات» اسمها محمد مرسى، نحن أمام فرد فى جماعة قررت احتلال «الدولة..» بعد أن تعاملت مع صندوق الانتخابات بمنحها صك.. ملكية.. أو حق التصرف غير المشروط فى الدولة.
المرسى حامل «صك الاحتلال» يدافع عنه بخلطة السذاجة والاندماج المفرط فى الدور، وحتى هو لا يصدق أنه «رئيس» لكنه يكرر كل المحفوظات التى يجبر عليها لتكون «خطاب الاحتلال».
فعلها كل احتلال جاء إلى مصر بخطاب يقول إنهم «يحملون الخير.. والمصلحة» لم يقدم أى احتلال نفسه على أنه مغتصب للسلطة أو منتهك للحقوق والحريات.
ومن المفروض أن تكون خطابات المرسى هى الوسيط بين الجماعة المحتلة والشعب الواقع تحت الاحتلال، ولهذا فإن «مونتاج» حوار الرئيس مع مذيع مضمون، لم يكن من أجل تحسين «صورة» الرئيس، ولا إخفاء لتأثير العصب السابع على تيبس جهته اليسرى، وإنما لإجادة الصياغة فى خطاب الاحتلال.. الإخوانى.
ولأنهم فاشلون فإن المونتاج فضحهم.. فالمونتير المختار ضعيف، أظهر القطعات بوضوح، كما أن ظهور رئيس بعد منتصف الليل ليكلم «شعبه» هى سابقة «تاريخية» لا تحدث إلا فى الأفلام الكوميدية التى تسخر من الطغاة، وهذه مفارقة، لأن المونتاج بدلا من أن يُظهِر رئيسا قويا (كما يريدون) أو «حاملا لخطاب الاحتلال» (كما هى حقيقته..) أظهره كأنه متسابق فى واحد من برامج تليفزيون الواقع.
لا يمكن أن يتكلم رئيس عن «رقبته» بهذه الكوميدية التى أمعن فيها المرسى وهو يؤكد أنه لن يستقيل لأنه يحمل مسؤولية دونها رقبته، وقبلها أو بعدها يتكلم عن الفرق بين «الرأى» والرأى العام، ليعتبر أن من يطالب برحيله مجرد رأى (ولو كان مظاهرات هادرة).. بينما نسبة الـ51٪ هى «الرأى العام» ومن سيسمع هذا الكلام سيتصور أن المرسى لا يعيش معنا ولا يقابل أحدا غير الإخوان أو يرى تليفزيونات غير قناة الإخوان، كلهم يقولون له «أنت عظيم..» و«محسود..» ولا بد أن ترفع إصبعك كلما ظهرت ليخاف منك «حسادك..».
قال المرسى إن كل من يقابله يطالبه بالاستمرار فى مشواره، ولا يعرف أن مقابلاته منقولة على الهواء ومطاردته فى المساجد وفى القصر الرئاسى مسجَّلة دون مونتاج مثل حواره مع المذيع المضمون.
الرئيس «الممنتَج» رأيناه من قبل يوم 10 فبراير 2011 حين «منتج» جمال مبارك خطابات أبيه المومياء، فمن يمنتج المرسى؟
جمال مبارك كان يريد إظهار قوة غير موجودة لأب تنهار سلطته وتتفتت أمام عينه.. والمرسى الذى اشتروا له قناة وأمّنوا له مذيعا ورغم ذلك احتاجوا إلى أكثر من 12 ساعة (الحوار كان فى الثانية ظهرا تقريبا) ليظهر متأخرا عن موعده ست ساعات بعدما أكلت السخرية البقية الباقية من احتمال أن يكون منتظرو المرسى يتصورون أنه سيقول كلاما جديدا، أو سيفتح بابا للخروج من أزمة وجوده فى القصر مندوبا عن جماعة احتلال فاشلة.
المرسى بعد المونتاج قال بوضوح: سنحتلّكم بكل فشلنا هذا.. وستذهبون إلى الصناديق تكتبون المزيد من صكوك مشروعيتنا لاحتلالكم.