(1)
لأن البعض يُقتل مرتين.. لذا يجدر أن نكتب عنه مرتين.
أكتب عن حسن البنا وأنا لا يعنيني أنه قتل بالأمس بقدر ما يعنيني أنهم يبررون قتلنا اليوم.
مقال «حسن البنا.. أحلام الأمس حقائق اليوم.. للأسف» كان بداية، فلنواصل للنهاية.
(2)
«ظلت هذه الأوامر الربانية والتوجيهات المحمدية بعد الصدر الأول كلاماً على ألسنة المسلمين، وخيالاً في نفوسهم، حتى جئتم معشر الإخوان المتعارفين تحاولون تطبيقها في مجتمعكم، وتريدون تأليف الأمة بروح الله وأخوة الإسلام من جديد.. فهنيئا إن كنتم صادقين وأرجو أن تكونوا كذلك».
هكذا يقول البنا في رسالة نظام الأسر.
س: الأوامر الربانية كانت كلاماً على ألسنة المسلمين حتى جاء من؟
ج: حتى جئتم معشر الإخوان.
ويضيف البنا في رسالة التعاليم: «أريد بالتضحية .. التضـحـية ببذل النفس والمال والوقت والحياة وكل شيء في سبيل الغاية، وليس في الدنيا جهاد لا تضحية معه، ولا تضيع في سبيل فكرتنا تضحية، وإنما هو الأجر الجزيل والثواب الجميل ومن قعد عن التضحية معنا فهو آثم، (إِنَّ اللهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ). وبذلك تعرف معنى هتافك الدائم: (والموت في سبيل الله أسمى أمانينا)».
قال لك «من قعد عن التضحية معنا فهو آثم؟».
بالصريح القبيح.. «آثم».
عزيزي عضو الإخوان.. يريحك أن تقول إن الكلام مجتز وقص ولصق من كلام البنا، لكن يؤسفني أن أصدمك بأنه هو «النص الكامل» لركن التضحية، أحد الأركان العشرة كما يبايع عليه أعضاء جماعة الإخوان المسلمين اليوم.
و«آثم» مصطلح شرعي يقصد به المذنب مرتكب الخطيئة، واستخدامه سواء لوصف عموم المسلمين ممن «قعدوا عن التضحية» مع الإخوان أو أعضاء الإخوان ممن اختلفوا مع التنظيم وقرروا ألا يضحوا في سبيل تنفيذ قرارات الجماعة هو تنطع وغلو ديني بامتياز.
(3)
الأكيد أن هناك شيئًا ما كبيرًا خطأ.
أوقن أن البنا فعل من الجيد الكثير، ويمكن النقاش حول أفكاره في حال وضعها في إطارها التاريخي باعتباره كان داعية ينشغل بالسياسة، لكنه لا يقدم تنظيمه كمنافس حزبي وانتخابي.
لكن الإخوان الآن ليسوا مجرد منافس يخلط العمل الحزبي بالدعوى، لكنهم سلطة يتعامل أنصارها بمنطق «صدر الإسلام.. ثم جاء الإخوان».
إما أن يفصل الدعوي عن الحزبي أو أنتم وإمامكم ترددون هراءً ــ لم تخطئ قراءة اللفظ ــ بلا شك.
(4)
يقول البنا في رسالة التعاليم:
«الناس عند الأخ الصادق واحد من ستة أصناف: مسلم مجاهد أو مسلم قاعد أو مسلم آثم أو ذمي معاهد أو محايد أو محارب، ولكل حكمه في ميزان الإسلام وفي حدود هذه الأقسام توزن الأشخاص والهيئات، ويكون الولاء أو العداء».
أنا وأنت نعلم أننا لسنا «مسلم مجاهد».
السؤل الآن: «هل أنت عند الأخ الصادق الذي يسبك عبر مواقع التواصل الاجتماعي مسلم قاعد أم مسلم آثم؟».
ويعتبر البنا في رسالة التعاليم أن من واجبات الأخ: «أن تحيط القيادة علمًا بكل ظروفك، ولا تقدم على عمل يؤثر فيها جوهريًا إلا بإذن، وتعتبر نفسك دائمًا جنديًا في الثكنة تنتظر الأوامر».
«جندي في ثكنة لا تقدم على عمل إلا بإذن».. ويذكر أن أبناء هذا التنظيم «المدني» يحكمون مصر الآن.
ويضيف البنا: «السمع والطاعة في الكتائب صوفي بحت من الناحية الروحية، وعسكري بحت من الناحية العملية، وشعار هاتين الناحيتين أمر وطاعة من غير تردد ولا مراجعة ولا شك».
قال لك: «من غير مراجعة».
ليسوا إخواننا.. وليسوا بعقلهم.
(5)
يقال إن البنا وجه رسالة التعاليم التي حملت أفكار الطاعة والثقة بالقيادة خصيصا للتنظيم الخاص الذي كان يعده لمواجهة الإنجليز ودولة إسرائيل.
ويؤكد هذا أن البنا يقول في مقدمة التعاليم: «هذه رسالتي إلى الإخوان المجاهدين من الإخوان المسلمين.. إلى هؤلاء الإخوان فقط أوجه هذه الكلمات.. أما غير هؤلاء فلهم دروس ومظاهر وإداريات ولكل وجهة هو موليها».
وتشير قيادات تاريخية للإخوان إلى أن هناك نسخًا أقدم من رسالة التعاليم كانت أكثر صراحة في الإشارة إلى أن الرسالة موجهة للتنظيم الخاص، لكن في ظل تولي أعضاء التنظيم الخاص، مصطفى مشهور وحامد أبوالنصر وبعدهم مهدي عاكف قيادة الجماعة أسقطوا أدبيات التنظيم الخاص العسكري على الجماعة ككل، ربما لتتمكن من الصمود أمام الاعتقالات الأمنية أو أسباب أخرى.
ويتفق ذلك مع حقيقة أن أعضاء التنظيم الخاص وحدهم كانوا يبايعون، بينما كانت عضوية الجماعة مفتوحة للجميع.. وهي البيعة على الأركان العشرة التي انتقلت للتنظيم كله منذ التأسيس الثاني في السبعينيات.
كما يتفق ذلك مع اختيار البنا للفظ «كتيبة» للقاءات التنظيم، فهو يتحدث عن تنظيم عسكري، وفي إطار ذلك يفهم أن التنظيم للجنود الذكور، لذا فالتنظيم حتى اليوم لا يعترف بعضوية النساء ولا يسمح لهن بالانتخاب.
في هذه الحالة فرسالة التعاليم التي بني عليها تنظيم الإخوان هي بنت عصرها وانتهت القصة..
ربما.. لكني لست معنيًا بحسم هذا الجدل التاريخي.. المهم أن إخوان اليوم يعتبرون الطاعة والثقة والجندية موجهة إليهم.
حقكم.. كونوا جنودًا ينفذون دون مراجعة.. ولكن اعلموا أن العالم واسع، لكنه لا يتسع للأغبياء.
وما ستسمونه غدًا مؤامرة.. هو غالبًا حماقاتكم.
(6)
لا تدع إصرارك وحماسك ينقلب إلى عناد وجهل.
قتل حسن البنا في أواخر الأربعينيات على يد السلطة، وأنصاره يقتلونه ثانية عندما يحاولون أن يديروا الوطن بمفاهيم سمع وطاعة متخلفة وهم يمسكون بالسلطة.
أراد البنا جنودًا للتصدي لسلطة فاسدة فأصبح لدينا اليوم جنود يبررون ويصنعون سلطة فاسدة.
البنا نجح في أن يحشد جنودًا.. لكن الجنود بطبيعتهم أغبياء يبررون لقيادتهم، فالجنود لا يصنعون فكرًا ولا يؤسسون حضارة.. لا ينتجون فنًا ولا يقيمون نهضة.. يحتشدون أمام صناديق الاقتراع فقط.
الجنود يستبدلون قوات أمن الدولة بقوات أمن الدعوة، ونحن لم نهتف بسقوط العسكر ليحكمنا من أقصى أمانيهم أن يكون «جنديًا في ثكنة».
من حقك أن تعيش غبيًا.. مع نفسك.. لكنك ليس من حقك أن تحكمنا إن اخترت أن تكون غبيًا.
ما أكثر الإخوان حين تعدّهم.. ولكنهم حين يفكرون قليل.
روابط يجدر الإشارة إليها: