ما الذى يراد تحت حكم الإخوان بحرية الفكر وحرية الدراسة والبحث؟ ما الذى يراد بالثقافة والمثقفين؟ لقد تم استدعاء المفكر والكاتب يوسف زيدان إلى نيابة أمن الدولة العليا للتحقيق معه فى واقعة يعود تاريخها إلى عام 2010(!!) تتهمه بازدراء الأديان فى كتابه البحثى القيم «اللاهوت العربى».
ولقد صدر هذا الكتاب عام 2009 وطبعت منه حتى الآن ثمانى طبعات، فلم هذا الاهتمام المتأخر، بعد صدور الكتاب بأربع سنوات؟ ولم تحريك الدعوة الآن وفتح التحقيق فيها، بعد مضى كل هذا الوقت؟ هل هذا هو أهم ما يشغل نيابة أمن الدولة العليا وفى الوقت الحالى الذى تعانى فيه البلاد مما كان يجب على أمن الدولة العليا أن تنشغل به؟
إن نص الاتهام الموجه إلى المفكر والباحث والروائى، عضو اتحاد الكتاب، هو «ازدراء الأديان وإحداث فتنة وترويج الأفكار الدينية المتطرفة»، فهل هذا معقول؟ إن مثل هذا الاتهام المضحك لأحد كبار الكتاب كان كفيلاً فى حد ذاته بحفظ التحقيق، فليس الأدباء والمفكرون هم الذين يزدرون الأديان، ولا هم الذين يثيرون الفتن أو يروجون للأفكار الدينية المتطرفة، فإن من يفعلون ذلك يومياً فى القنوات الفضائية معروفون بالاسم، لكنهم أحرار طلقاء، ولقد تمت أخيراً محاسبة واحد منهم قضائياً، ذرا للرماد فى العيون، وصدر فى حقه حكم مخفف بالحبس أربعة أيام (!!)، فهل جاء تقديمه للقضاء غطاء لما سيحدث بعد ذلك مع المثقفين؟
إن القضية جد خطيرة وهى لا تتعلق بشخص الكاتب الكبير، الفائز بأكبر جوائز الإبداع الروائى العربى، وإنما بمستقبل الثقافة والمثقفين فى ظل حكم الإخوان، وبمستقبل حرية التعبير والفكر، والتى هى من الحريات الأساسية التى نصت عليها المواثيق الدولية، والتى لا يمكن الحديث عن الديمقراطية فى ظل انتهاكها بهذا الشكل.
إن الإخوان الذين يتمسكون بصندوق الانتخابات، متصورين أن الديمقراطية تنحصر فى العملية الانتخابية وحدها، إنما يرتكبون كل يوم ما يضرب الديمقراطية فى أسسها، فالديمقراطية لا تقوم بصندوق الانتخابات وحده، بل إن الصندوق لا يعتد به، إلا إذا جاء كخطوة مكملة لعملية ديمقراطية شاملة تقوم أول ما تقوم على حرية التعبير وحرية الفكر والإبداع.
ولقد نصت وثيقة الحريات التى أصدرها الأزهر الشريف على الحريات الأربع الرئيسية، وهى حرية العقيدة وحرية التعبير وحرية الإبداع الأدبى والفنى وحرية البحث العلمى، وها هو حكم الإخوان الذى صدع أدمغتنا بـ«الصندوق»، باعتباره رمز الديمقراطية، ينتهك الحريات الأربع دفعة واحدة فى ذلك الاتهام المثير للسخرية والموجه لأحد كبار كتاب مصر.