على مدى الأسابيع القليلة الماضية شاهدنا وقرأنا فى وسائل الإعلام المختلفة عن العديد من الحالات الموثقة لخطف شباب وأطفال واختفاء البعض الآخر، وحالات اعتقال ومداهمة منازل قبيل الفجر، وحالات تعذيب بدنى ونفسى وإهانة، وحالات مُدبرة للتحرش الجنسى بالنساء بل اغتصابهن، ووصل الأمر إلى حالات قتل يبدو واضحاً فيها عنصر التدبير لاصطياد شباب بأعينهم.
لا أعتقد أن إنساناً سوياً واحداً يمكن أن يشاهد كل ذلك التجبر والانحطاط الخُلقى الذى اُرتُكِب من أجل أن يظل مرسى جالساً على الكرسى، ولا يشعر بالإصرار فى نفسه على ضرورة محاسبة مُن ارتكب هذه الجرائم (أفراد من جهاز الشرطة) ومن دبر لها وشارك فيها (جماعة الإخوان وقياداتها) ومن رعاها وباركها (رئيس الجمهورية) ومن صمت وغض الطرف عنها (جبهة اللاضمير) ومن حاول تبريرها (خدم الجماعة ومُنتسبوها فى وسائل الإعلام) أياً كانت مواقعهم ومهما طال الزمن.
لقد كانت أمثال هذه الجرائم تُرتكب فى مصر كثيراً فى عهود ما قبل ثورة يناير العظيمة، وربما كان هذا التسلط والظلم والقهر أحد الأسباب الرئيسية التى جعلت الشعب المصرى يخرج بالملايين، بعد أن فتح له الطريق نُخبة من شبابه الحر الواعى لينطلق فى الشوارع والميادين، منادياً بالحرية والكرامة والعدالة، وكانت فرحته غامرة بعد أن أجبر رأس الفساد والاستبداد على التنحى، فأخذ يهدر فى الشوارع بهتاف لن أنساه ما حييت «ارفع راسك فوق انت مصرى».
ظن الشعب الأصيل أن الأيام السوداء التى عاشها فى ظل القهر والاستعباد قد ولت إلى غير رجعة، فإذا به يُفاجأ بعد عامين من ثورته البيضاء بأن أحداً ممن ارتكب الجرائم الشنعاء فى حقه على مدى عقود لم يُحاسب.. والأدهى والأمر أن يجد نفسه تحت حكم جماعة تسلطية فاشية رجعية، هى جزء من النظام الساقط، تتبع نفس أساليبه بل أشد منه عنفاً وجهلاً واستبداداً، لعبت على وتر التدين الفطرى للشعب الطيب الذى يسهل خداع الأميين والبسطاء منه، فانقَضوا كالقراصنة على سفينة الوطن ليخطفوها ويوجهوها إلى حيث يريدون، لتحقيق أحلام خائبة وأفكار عقيمة متخلفة ومصالح خاصة.
لقد سمعت خلال الأسبوع الماضى حديثين لهما مغزى ومعانٍ يجب أن تعيها كل القوى الوطنية، وفى المقدمة منها الرجال الذين أقسموا على الحفاظ على هذا الوطن ووحدته بأرواحهم ودمائهم.. الحديث الأول سمعته يوم الجمعة التى تم فيها حشد أعداد غفيرة من المتطرفين المحسوبين على دين الله السمح أمام جامعة القاهرة، ووقف رجل من قادة جماعة الإخوان يخطب فى الحشود الواقفة أمامه، رافعة أعلام تنظيم القاعدة والسعودية وصور عمر عبدالرحمن وبن لادن فيقول بأعلى صوته «ها هو ما خطط له الإمام الشهيد حسن البنا منذ ثمانين عاماً نراه يتحقق على أرض الواقع، وها هى أحلامه بالتمكين من مصر قد تحققت»!.. والحديث الثانى سمعته من قيادى إخوانى بحزب الحرية والعدالة هو السيد صبحى صالح حين كان فى مناظرة تليفزيونية، وكان يستخدم كلمة «نحن» كثيراً، فسأله ضيف البرنامج الآخر «أنت تكرر كلمة نحن كثيراً، فمن أنتم» فانبرى السيد صالح (صول البحرية السابق والفيلسوف القانونى الحالى) قائلا بفخر ما نصه «نحن جماعة الإخوان المسلمين التى أسسها الإمام الشهيد حسن البنا منذ عام 1928 ولنا فروع فى أكثر من 75 دولة فى العالم، ونحكم خمس أو ست دول حتى الآن»! لم يتطوع السيد صالح بذكر أسماء الدول التى يحكمونها حتى نعرف مصيرنا، ولكن ما رأيناه وسمعناه فى الشهور الماضية يكفى وزيادة لنعرف المصير الأسود الذى ينتظر أفراد هذا الشعب إذا ما استمر الحكم الفاشى المُتسلط باسم الدين، وربما تكون الحلقة التى قدمها الإعلامى المُتميز يسرى فودة منذ عدة أيام عن أهوال التعذيب والإهانة التى تعرض لها نُشطاء سياسيون اعتقلوا أو خُطفوا وسُجنوا بدون أى سند قانونى، والذين بلغ عددهم أكثر من 1200 شخص خلال الشهر الماضى فقط مثالا فى مجال واحد من مجالات حقوق الإنسان، ولكن هناك الكثير والأبشع عن حالات الاغتصاب المُمنهج والقتل المُتعمد لشباب مُعارض وردت فى تقرير أصدرته 20 منظمة حقوقية مؤخراً.
الذى أستطيع أن أجزم به أن أحداً من كل هؤلاء المتورطين فى هذه الأعمال الإجرامية سواء بالفعل أو الأمر أو التحريض أو الصمت، بدءاً من رئيس الدولة الذى أشاد بالجهاز الذى قام بهذه الأعمال القذرة وحتى أصغر جندى أو مُرتزق نفذ الأوامر الصادرة له، لن يفلت من عقاب الشعب هذه المرة، ليكون له خِزى فى الدنيا وله فى الآخرة عذاب أليم.. وخسئ من يتصور أن الشعب المصرى بعد ثورته العظيمة التى دفع من أجلها ثمناً غالياً يمكن أن يقبل بعودة الأمور سيرتها الأولى مُتمسحة بشعارات دينية، والدين منهم براء.. وبالتالى لا أعتقد أن هناك مجالا للحديث عن خروج آمن لهذا الرئيس وجماعته.