لست من مرددى ولا مريدى نظرية أن القديم هو الإبداع وما نعيشه هو الفتات الذى تبقى من ذلك الزمن الذى يصفونه دائما بالجمال. لا ليس الأمر دائما على هذا النحو لدينا جمال وقبح فى الماضى والحاضر، الزمن دائما يطرح ملامحه على كل مناحى الإبداع ورغم ذلك فإن هناك مقارنات تفرض نفسها على فنانى هذا الزمن عندما يطلبون حق اللجوء إلى الماضى.
حالة من الرفض الممزوج بالدهشة والتى تصل إلى حدود الاستنكار قرأناها وشاهدناها بمجرد نشر خبر إسناد دور سعاد حسنى فى فيلم «الزوجة الثانية» لصلاح أبو سيف إلى الممثلة دينا فؤاد فى المسلسل المأخوذ عن الفيلم وعندما أسند المخرج خيرى بشارة دورها إلى آيتن عامر لم تهدأ الدهشة ولم تتبدد علامات الاستنكار، ورأيى الشخصى أن الإقدام على تحويل هذا الفيلم الرائع إلى مسلسل هو المخاطرة الكبرى.
الشخصيات الدرامية فى هذا الفيلم من الصعب أن تختفى أو تتبدل فى ذاكرة المشاهدين.. الحقيقة أن المخرج صلاح أبو سيف استطاع أن يعزف إبداعيا على أوتار العطاء لدى ممثليه ليمنحوه أفضل ما لديهم فقدموا أدوارا صارت لها حياة تجاوزت مجرد التجسيد على الشاشة.. بعض المخرجين يحيل الممثل إلى أداة لتنفيذ ما يريده وبدقة بل وكثيرا ما يمثل أمام الممثل الشخصية مثل حسن الإمام ويوسف شاهين وعاطف سالم وعز الدين ذو الفقار وحسين كمال، وهناك أسلوب آخر فى ترك مساحة للإبداع والإضافة إلى الممثل وكان هذا مثلا منهج المخرج كمال الشيخ، بينما محمد خان يمنح الممثل فى كلمات مكثفة وموحية الشفرة وكلمة السر للدخول إلى الشخصية.
سألت صلاح أبو سيف عن أسلوبه أجابنى ضاحكا «التمثيل مسؤولية كل ممثل» وأضاف أُجرى بروفات عديدة تسبق التصوير وفى تلك الجلسات تنضج الملامح والتفاصيل وقال لى إن أهم مرحلة فى الفيلم بعد كتابة السيناريو وهى تسكين الممثلين فى الأدوار ويترك بعد ذلك للممثل أمام الكاميرا أكبر مساحة من التلقائية والعفوية..
فى فيلم «الزوجة الثانية» ستجد أن هناك قدرا من الالتصاق بين الممثل والشخصية.. هل تتخيل مثلا باسم سمرة وهو يعيد شخصية العمدة «عتمان» التى تجسدت لدى الناس بصلاح منصور سوف يتعمد أن لا يقلده ولكنه أيضا لن يتمكن من الابتعاد عنه، فى الحالتين الرهان خاطئ.. حفيظة زوجة العمدة الذى ارتبط بالقديرة سناء جميل كيف تسمح الذائقة الذهنية للمشاهد بأن يرى أخرى وهو تحديدا المأزق الذى ستواجهه علا غانم المرشحة لأداء الدور.. وتأتى بعد ذلك فاطمة التى لعبتها سعاد حسنى وزوجها أبو العلا الذى أداه شكرى سرحان تم إسناد دوره إلى عمرو واكد، الأمر شديد الالتباس على الطرفين الممثلين والمشاهدين.
لماذا يلجأ البعض إلى إعادة تقديم أعمال درامية ناجحة.. الحقيقة هى أن القانون فى سوق الفيديو يقضى بأن التجربة التى تنجح تخلق على الفور نهما لإعادتها وهكذا شاهدنا مثلا فيلم «سمارة» فى مسلسل بطولة غادة عبد الرازق وذلك بعد نجاحها فى إعادة «الباطنية»، الوجه الآخر للصورة هو أن هناك شخصيات درامية من الصعوبة أن يتقبلها الناس ثانية مهما برع الممثل الجديد فى الأداء. كما أن الجمهور على الجانب الآخر سيضع الممثل فى مقارنة ليست فى صالحه، «ترمومتر» نجاح الممثل أو إخفاقه فى هذه الحالة سيفرض نفسه كمؤشر أساسى مدى اقترابه أو ابتعاده عن الأصل السينمائى.
قبل نحو أكثر من ربع قرن قدم المخرج التليفزيونى يوسف مرزوق فيلم «بين القصرين» لنجيب محفوظ وإخراج حسن الإمام فى مسلسل حمل اسم «الثلاثية»، اكتشفنا أن الناس لم تنس «السيد عبد الجواد» يحيى شاهين و«الست أمينة» آمال زايد فهما دوران حفرا وجودا وعمقا فى مشاعر الناس، أسند المخرج الدورين إلى فنانين كبيرين بحجم محمود مرسى وهدى سلطان ولم يتذكر الناس سوى أن هناك «سيد عبد الجواد واحد» يحيى شاهين و«ست أمينة واحدة» آمال زايد.
بعض الأدوار لا الأعمال الفنية فقط لا يمكن أن نرى فيها سوى الفنان الذى ارتبط بها، مثلا شفاعات فى «شباب امرأة» لصلاح أبو سيف بطولة تحية كاريوكا حاولوا قبل عامين إعادته وأسندوا الدور إلى رانيا يوسف وبعد ذلك تراجعوا لأن شفاعات هى تحية وتحية هى شفاعات. لا أصادر حق مخرج بحجم خيرى بشارة فى المحاولة لتقديم حفيظة وعتمان وفاطمة وأبو العلا ولكننى أراها قفزة إلى المجهول