لم تكن هناك مفاجأة أن نقرأ عن مشروع النهضة السينمائى الذى تتولاه شركات تابعة فكريا واقتصاديا للإخوان وحزب الحرية والعدالة، لأن كل الأسلحة مشروعة من أجل تصنيع مصر أخرى على مزاجهم، مثلما وضعوا النقاب على وجه أم كلثوم وقطعوا رأس طه حسين. فهم يتطلعون إلى وطن آخر لا ترى فى الشارع سوى نساءه منتقبات ورجاله بلحى تتنافس فى معدلات الطول.
تم الإعلان عن أكثر من كيان إنتاجى، من بينها أكاديمية لإعداد الفنانين الجدد على الطريقة الإسلامية، بتقديم دروس عملية ومحاضرات نظرية يلقيها عدد من المحترفين تتناول صناعة الأفلام السينمائية الشرعية.
تبدأ هذه الشركات بإنتاج فيلم أو اثنين للسينما الروائية وعدد أكبر من الأفلام التسجيلية كنوع من جس نبض الجمهور، وبعدها سنرى شلالات من الأفلام والأغنيات والمسرحيات، بل والباليه الشرعى.
الفن عندما يتدثر برؤية دينية أراها محاولة لتغيير ملامح المجتمع الذى لم يألف التعاطى مع هذا النوع من الفن المتحفظ، الجانب الآخر للصورة هو أن البعض يعتقد أن هذا الفن الذى يبدو معقما ينبغى مقاومته بفن جرىء، لا فى الفكر الذى يحمله ولكن بمشاهد جريئة، وهذا هو مكمن الخطر، الفن المتحفظ يقاوم بفن صادق، جرأته تنبع من الفكر الذى يحمله.
المأزق الذى نعيشه هو أن البعض يرنو إلى أن يعيد صياغة المجتمع وفقا لرؤيته رغم أن التجربة أثبتت أن المصريين يتحرقون شوقا للحرية، ما نراه الآن سبق التمهيد له قبل نحو سبع سنوات بأعمال قليلة كانت تبدو كنوع من الإرهاصات وكأنها دقات المسرح الثلاث التى تسبق العروض المسرحية، مثلا فيلم «كامل الأوصاف» أنتج قبل نحو 6 سنوات، لم يكن فى الحقيقة يبحث سوى عن ترسيخ مبدأ ارتداء الحجاب لدى الفتيات المصريات، كما أنه فى نفس الوقت يطبق معايير الحجاب على كل مشاهد الفيلم، حيث إن البطلة حلا شيحة كانت ترتدى الحجاب فى كل المواقف سواء كان هناك منطق شرعى أم لا. والمتفرج فى هذه الحالة يتعامل مع امرأة محجبة لا فقط ممثلة تؤدى دور فتاة محجبة وبالطبع هناك فرق.
يختصر البعض نجاح السينما الإيرانية فى الحجاب. هذه الأفلام أتابعها بشغف فى كل المهرجانات التى أذهب إليها، وأتأكد فى كل مرة أن قيمتها الحقيقية فى الفكر الذى يسكن العقل والإحساس الذى تنضح به المشاعر لا الغطاء على الرأس.
عندما يسألون فنانة عن الحجاب وتعارضه مع الفن تقول انظروا للسينما الإيرانية التى تحصد الجوائز العالمية، وكأن الحجاب هو الوصفة السحرية للعالمية، هناك فرق بين سينما تخضع للنظام الإيرانى الذى يحكمه قانون صارم يعاقب المرأة لو غادرت بيتها إلى الشارع دون ارتداء الحجاب وبين المجتمع المصرى 70% من نسائه محجبات وتنتشر فى الشوارع مثل هذه الشعارات المعلقة على الجدران.. الحجاب فريضة كالصلاة.. يا مؤمنة تحجبى قبل أن تحاسبى ورغم ذلك لا يمكن فرض قانون ملزم بارتداء الحجاب.
السينما المصرية تقدم ضمن شرائحها المرأة المحجبة لأنها انعكاس للشارع، إلا أن هذا لا يعنى أننا سوف نقدم أفلاما عظيمة لو غطت كل نجماتنا رؤوسهن.
السينمائى الإيرانى يُمسك بالفكرة التى تعتمل فى نفوس الناس بزاوية إبداعية مغايرة للسائد، مثلا عباس كيروستامى المخرج الإيرانى الشهير قدم مؤخرا فيلمين خارج إطار السينما الإيرانية. الأول «نسخة مطابقة» إنتاج مشترك فرنسى إيطالى والثانى «مثل مَن يحب» إنتاج فرنسى يابانى.. البطلات لا يرتدين الحجاب لأن الأول أحداثه تجرى فى إحدى المدن الإيطالية والثانى فى طوكيو، ورغم ذلك فإن المذاق القائم على الفكر الذى يحيل المشاهد إلى فاعل أصلى هو الهدف المنشود، والمخرج يدرك أن السينمائى لا يمكن أن ينعزل عن الواقع الذى تجرى فيه الأحداث، ولهذا احتفظ برؤيته التى نشاهدها فى كل أفلامه الإيرانية ولكن بلا حجاب.
لا نصادر حق شركات الإنتاج السينمائى الجديدة فى تقديم أفكارها وفقا لقواعدها ومعاييرها ولا أستبعد أن نرى العديد من الفنانين وقد ضبطوا موجتهم الفنية والفكرية على النظام السينمائى الجديد.. ولكن هل تصل هذه الأعمال الفنية إلى الناس؟ إجابتى هى أن الجمهور يريد فنا صادقا وليس أفلاما مصنوعة طبقا للمواصفات الشرعية، ولن تفرق معه فى هذه الحالة إذا كانت البطلة وضعت على رأسها الحجاب أم خلعته!!