لا أحد يفهم ما الذى يحدث فى اجتماعات الرئيس، فالكل يخرج من عنده غاضبا متخذا خطوات مضادة له، بداية من قيادات «الإنقاذ» الذين دخلوا عليه فُرادى وخرجوا جبهة واحدة، نهاية برجل الأعمال محمد فرج عامر الذى خرج من عند الرئيس فأصدر بيانا فى اليوم التالى يقول فيه إنه أغلق مصانعه نهائيا.
حضرتك بتقول لهم إيه يا ريس؟
عموما لماذا لا يجيد الإخوان فن الكلام؟ السؤال واجب لأنهم لو كانوا يجيدون فن العمل الوطنى -لا عمل التنظيمات- لتغاضينا عن زلات اللسان التى لا تنتهى والتى تكشف دائما عن جوانب خفية، فالمرء مخبوء تحت لسانه كما قال السلف، والرئيس فى خطاباته يوجه التحية دون مناسبة لسواقين التوك توك ومباحث التموين، ويعطى المعارضة مواعيد على الهواء الساعة اتناشر اتناشر ونص، ويجاهر بتجسسه على المعارضة فى الحارة المزنوقة، ويلوّح بإصبعه لحظر التجول، فيصنع أبناء الكنال من إصبعه شيش طاووق على مرأى ومسمع من العالم... لن أتحدث عن مهارات الإنجليزية فهذه تلاكيك فارغة لأن المهم حديثه لأبناء الوطن، وما الوطن؟ لدينا ماء وبحر متوسط وبحر أحمر وصحراء وجبال وتاريخ.
الرئيس لا يجيد فن الكلام، ربما لأنه لا يجيد فن الإصغاء أصلا، ويقولون فى كتاب الحكمة إن الشخص الذى يتكلم كثيرا لا يجيد فن الحوار، والرئيس يتكلم بالساعة عن مشكلة ممكن حلها فى ثلاث جمل، فلا هو حافظ على لهجته كرئيس لبلد بقامة مصر، ولا هو حل المشكلة أصلا، بل إنه اختار متحدثا رسميا من نفس الطينة كان يفترض أن يغطى عورات كلام الرئيس، فإذا به يقلع ملط، فيقول وينفى ثم ينفى النفى، قال لا خطاب عاطفيا بين بيريز ومرسى، ولا صحة لإقالة عبد المجيد محمود، ولا صحة لاستقالة المستشار مكى، ولا علاقات سرية، وحكى عن الطريقة التى أقيل بها المشير، ثم يتضح مع الوقت أن كل ما سبق غير صحيح، ربما نحاول أن نتفهم عدم قدرة شخص بحجم الرئيس على الكلام، لكن كيف نتفهم قدرة المتحدث باسمه على الكذب؟
الأمر الطريف أن تقرأ فى الصحف منذ يومين خبرا كبيرا يقول إن ياسر على الذى تم عزله من منصبه يدرب المتحدثين الجديدين باسم الرئاسة على العمل وأصول المهنة، قول والمصحف!
يتحدث الشاطر فيعكّ الدنيا ويبدو كأنه رئيس الجمهورية السبايدرمان الذى التقى فى شهرين آلاف المستثمرين المتحمسين للعمل فى مصر، فيفضح مبكرا تدخُّل الجماعة فى شؤون مصر، ويتحدث المرشد فيسألنا: «ما ذنب النباتات؟»، كاشفا عن سذاجة فكرية تحكم الأداء العام، وكان من تجلياتها أن مات من مات أمام «الاتحادية» فخرج الرئيس يبدى حزنه على «عربية الشغل اللى اتخبطت». أما العريان فكلما تحدث أبدع، فمرة يكشف عن أن مرسى وجد المرشد معتكفا فاتخذ قرار إقالة المشير مع نفسه، ومرة يكشف عن أمراض اجتماعية طبقية كامنة فى صدر الجماعة عندما لم يجد ما يردّ به على كلام الأستاذ هيكل إلا أن يعايره بالسيجار وعصا الجولف، حتى فى نقده السياسى يعتمد على أسلوب الجماعة نفسه فى استقطاب الناس عن طريق اللعب على تيمة الفقر، وهو ما استقطبوا به القوام الرئيسى للجماعة.
يُستدلّ على عقل الرجل بحسن مقاله، كما قالوا قديما، وقالوا أيضا: «مَتَى زَلَّ عَقْلُ الْمَرْءِ زَلَّ لِسَانُهُ»، وقالوا: «المرء مخبوء تحت لسانه»، والجماعة لم تقدم حتى يومنا هذا متحدثا لبقًا يجيد فن الصراحة والوضوح والذكاء السياسى والاجتماعى ورُقِىّ اللغة وقوة التعبير والاهتمام بطرح جمل مفيدة غير ملتوية أو صادقة يتحمل قائلها بشجاعة أدبية عاقبة صدقه، أبدًا.. يقدمون يوما بعد يوم دروسا فى فن البشاميل، وخطابا يتراوح ما بين «دَبّ الكلام» و«الاستنصاح» و«بالونات الاختبار»، هذا إذا ما استثنينا مسألة الكذب أو الصدق.
ظلت الجماعة أعواما طويلة لا تتحدث إلا همسًا فى الظلام بجمل يغلب عليها طابع «الشفرة» لشعورهم بأنهم مراقَبون، وبناءً عليه عندما حانت اللحظة وأمسكوا بالمايك ليتكلموا بصوت عالٍ انطلقوا من زمن الأبلج، أو على رأى صديقى الذى كلما قال له شخص ما أمرًا يستفزه صاح فيه وهو يمد كرشه إلى الأمام: «تعالى لجلج».