
للمرة الأولى، تجلس إليسا بين الجمهور وتضحك في برنامج تلفزيوني من أعماق قلبها. انسحب شعورها الى "تويتر"، فغرّدت: "لم يحدث لي ان ضحكت بتلك القوة كما حصل مع برنامج باسم يوسف. انه ذكي جداً ومرح. واو!". لم يبذل الاعلامي المصري جهوداً استثنائية لتدمع عيناها. يكفي ان يكون "المطلق" في مصر والعالم العربي قابلاً للنقد، ليصبح كل شيء ممكناً.
لم يعد التلفزيون ملكاً للحاكم منذ الأزل والى الأبد. آن للثورة ان تسلك الطريق الصحيح نحو التحقق. للأنظمة العربية باعٌ طويلة في قمع الحريات. أطول مقصّ في العالم وكتاب "جينيس": من المحيط الى الخليج.
حلّ "الربيع العربي" فتفتّحت الشعوب، لكن الحاكم لا يحب الطبيعة. عقودٌ مرت على تفسّحه بالقصر، فأنّى له ان يسمع العصافير إن غرّدت؟ يدير الحاكم جهاز تلفازه، فتأتيه "محطاته" بإنجازاته وعدله. وفي الفواصل الاعلانية يصبح ملاكاً يهدهد الأطفال. لم يفقد الحاكم القدرة الرهيبة على النوم. في الحلم يأتيه الصولجان ناطقاً: "زلزلْ بهم الأرض ودعهم يموتون". الكلام للمعارضين الخونة والعملاء أعداء الأمة والوطن.
بات وجه باسم يوسف مخيفاً ومضحكاً بطريقة جبّارة. بدأ من الـ "On TV"، استقال، فانتقل الى الـ "CBC". "البرنامج"، هو اسم برنامجه الناقد. يُصوَّر كل أربعاء في "مسرح راديو القاهرة"، ليعرض الجمعة. دخل الموسم الثاني بحلقة أثارت الغضب. في مصر، وعلى رغم المساحات الشاسعة، تظلّ نفوس البعض ضيقة. أم كلثوم غنّت "للصبر حدود" في الحب، لا في الرأي الآخر. إحدى حلقات "برنامجه" مُنعت، وأُحيل هو على القضاء. زميله في "CBC" عماد أديب أصبح متوحشاً. باسم يوسف قال ان برنامجه "بهدوووء" ليس مجرد اسم، وإنما هو اسلوب حياة (كناية عن كونه بطيء الايقاع)، فهدده قائلاً ان الأحكام القضائية ستنزل عليه مثل المطر. ذكّر الاعلامي المصري الجماهير بأنه مخضرم، وما باسم يوسف إلا مبتدئ يقذف الشتائم ويتمادى على الكبار. لعله أحرج حين ذكّره هذا المبتدئ بأنه وقف يوماً مع الحاكم ضد الشعب، فقرر اللجوء الى القضاء ليؤلّبه ضد الحقيقة!
الرسائل التي يوجهها يوسف ضد حكم الرئيس المصري محمد مرسي، والحركة "الاخوانية" والسلفية في مصر، لا تصل بالمزاح دائماً. الرجل ذو شخصية لافتة، والإعداد، بعكس كل ما قد يكون هزلياً في "البرنامج"، جدّي. الجمهور لا يظهر. إليسا ليست من الجماهير الصرفة، وإن جلست في صفوفها وضحكت وصفّقت كأي مواطن عادي يضحك ويصفّق. باسم يوسف هو الوحيد الذي يظهر. للرجل كاركتير يربط الجدّ بالمزح بدهاء نادر. من الضروري ألا تطفو معالم الارتهان على من تصوّره الكاميرا ناطقاً بلسان الشعب الذي إن نطق أصبح "بلطجياً" يجوز فيه قانون الطوارئ. ينتقد "الريّس" انتقاداً يستحق التصفيق من خلف الشاشة. من يتصرف وفق مقولة "من النهار ده ما فيش شعب، أنا الشعب"، فليحاسب. بالإعلام، بالنقد، بالكاريكاتور، بالغرافيكس، بالشارع، بالميدان. زمن الخنوع ولّى. وخرافة القبضات الهاتفة بالأعمار المديدة انطوت الى غير رجعة.
حبذا لو امتنع يوسف عن استعمال الكلمات النابية، وإن كانت قليلة ومحجوبة بالزمور والاشارة السوداء، وركّز على رسالة "البرنامج" قبل "همّ" اضحاك الحاضرين، لظل الصوت متيناً أكثر. بعض "اللطشات" لا يحتاج الى مجهود ليضحكنا. المقتطفات الاعلامية المستعمَلة، والمونتاج الذكي، الى كتابة الكلمات الملفوظة مع المحافظة على حقوق اللفظ، كلها "Package" كوميدية رائعة من دون منّة الزعيق وبعض الحركات غير الضرورية في النصّ، والتي لا تفعل شيئاً سوى التقليل من هيبة "البرنامج"، وجعل الأداء قريباً من الوجه السلبي للشارع حيث أحدٌ لا يريد ان يسمع أحداً.