أعلنت دولة إيران احتجاجها رسميا ضد مهرجان برلين الذى انتهت فاعلياته قبل يومين بعد حصول فيلم «ستائر مسدلة» الذى أخرجه جعفر بناهى مع كامبوزيا بارتورى على جائزة السيناريو، الغريب أن إيران لم تعترض عند عرض الفيلم، ولكن بعد حصوله على الجائزة، كانت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل قد ناشدت السلطات الإيرانية بالسماح للسفر لبناهى دون جدوى، حيث إنه ممنوع من ممارسة المهنة ومن مغادرة طهران لمدة 20 عاما قادمة، بالإضافة إلى أنه محكوم عليه بالسجن 6 سنوات ولا يزال الحكم قيد الاستئناف.
لم أحضر برلين ولم أشاهد الفيلم ولكن العديد من الزملاء قالوا إن الجائزة التى حصل عليها الفيلم سياسية لا أستطيع أن أنفى أو أؤكد، لأن الأمر يخضع فى النهاية لذوق المتلقى.
نعم السياسة صارت تلعب دورا لا يمكن تجاهله فى فاعليات كل المهرجانات والتظاهرات الفنية والثقافية، مهرجان «كان» مثلا عرض لبناهى عام 2011 فيلمه «هذا ليس فيلما» خارج المسابقة وبالطبع السخرية تبدو واضحة من السلطات فى اختياره العنوان، جعفر واحد من أهم مخرجى العالم وليس فقط إيران، مهرجانات الدنيا كلها تتخاطف أفلامه.
أتذكر أننى قبل ثلاثة أشهر كنت ضمن الوفد المصرى الذى حضر إلى طهران، كان الغرض من تلك الزيارة التمهيد للتبادل الثقافى بيننا وبين طهران وعندما اجتمعنا مع وزير الثقافة الإيرانى فى لقاء مسجل قلت له بالحرف الواحد إننا فى مصر نريد بالفعل مساحات أكبر للفيلم والثقافة الإيرانية، وينبغى أن لا تقف الخلافات السياسية حائلا دون أن نرى السينما الإيرانية متاحة للتداول فى مصر، ولكنى أضفت أطالب وأنا فى طهران بضرورة الإفراج عن كل من جعفر بناهى ومحمد رسولوف المخرجين الإيرانيين الممنوعين من ممارسة المهنة فى أعجب حكم قضائى.
تعمد منظمو هذا المؤتمر أن لا تتم ترجمة السؤال إلى اللغة الفارسية، ولكن المؤكد أن الفضائيات الإيرانية استشعرت فحوى السؤال، نظرا إلى حالة الهلع التى أصابت أحد أعضاء الوفد المصرى الذى تصور أن هذه الرحلة تنجح فقط إذا عاد الوفد، وهو مكلل بعشرات من مشروعات الإنتاج المشترك، بينما نفى وزير الثقافة جملة وتفصيلا أن المخرجين ممنوعان من السفر.
الوقائع بالطبع تكذب ادعاءات الوزير. بناهى استطاع أن يعرض فيلمه السابق فى «كان» وفيلمه الحالى فى برلين كيف نجح فى تهريب الشريط؟ وقبل ذلك شرع فى التصوير أنها رحلة تستحق رصدها فى فيلم قادم.
قبل أربعة أعوام شاهدت فى مهرجان «كان» الفيلم الإيرانى «لا أحد يعرف شيئا عن القطط الفارسية» الفيلم يتناول تلك «الفوبيا» التى تنتاب السلطات الإيرانية التى دائما ما تشاهد العمل الفنى برؤية دينية ولهذا يطاردون الموسيقيين ويمنعون المرأة من الغناء الفردى، وتكونت فرق من تحت الأرض تمارس الموسيقى رغم أنف هذه السلطات. المخرج بهمن قبادى صوَّر كل ذلك من دون تصريح مسبق وخدعهم بادعاء أنه يقدم فيلما يكافح انتشار المخدرات، وسافر الفيلم وعُرض فى «كان» ولم تنجح الملاحقات القانونية فى منعه من السفر إلى أكثر من مهرجان.
إيران دائما تنظر إلى السينمائى باعتباره أحد الجنود الذين ينبغى أن يخضعوا لمشيئة النظام ولهذا، رغم حصول إيران بفيلم «انفصال» للمخرج أصغر فرهادى على جائزة الأوسكار لأفضل فيلم أجنبى العام الماضى، فإنها قاطعت هذا العام الاشتراك فى الأوسكار بفيلم «قطعة سكر واحدة» للمخرج رضا ميركريمى بحجة أن أمريكا تعادى إيران. ليحرموا المخرج من جائزة ممكنة ويحرموا صناعة السينما الإيرانية من تقدير دولى يستحقه صُناعها.
«الستائر المسدلة» يتناول مأساة إنسان يريدون أن يحجبوا عنه الحياة ويغلقوا دونه الأبواب والنوافذ.. هل يستطيع أحد أن يمنع شعاع الشمس؟!
بناهى رصيده من الجوائز لا يمكن تجاهله فلقد حصل على «الأسد الذهبى» من مهرجان فينيسيا بفيلمه «الدائرة» عام 2000 ثم «الدب الفضى» عام 2006 عن فيلم تسلل «أوفاسيد»، فى إيران متحف للسينما يتصدره عدد من أشهر وأهم مخرجى السينما الإيرانية، وعلى رأسهم بناهى، وقسم بناهى مرصع بكل هذه الجوائز وافتتح بالطبع قبل توقيف بناهى. فهل يضيف القائمون على المتحف جائزته عن «ستائر مسدلة» أم سيسدلون الستائر عن هذا الفيلم وتلك الجائزة، لا أتصور أن هذا هو مشهد النهاية!!