دخل على شيخه ثم جلس إلى جواره بعد السلام صامتًا.
كانت ملامح وجهه تضجّ بكلام كثير غير مريح، عرف الشيخ سبب عدم الراحة عندما لاحظ أنه يحرِّك خاتَم الزواج فى إصبعه صعودا وهبوطا.
لم يسأله «ما لك؟»، علّمه شيخه درس الصبر من قبل، قال له: يشكو الواحد كثيرا ويختتم شكواه بأن يقول «بس الحمد لله آدينا صابرين»، قال له: «هذا سوء أدب مع الله، هذا ليس صبرًا، الصبر يا ولدى أن تكتم الشكوى».
هو يكتم الشكوى بالفعل بعد أن تَعلَّم من الدرس السابق ولمس الفرق بنفسه، كتْم الشكوى يجعلك تصادق المحنة، ويجعل للصبر فعلًا مذاقًا طيبًا فى الروح، بعد سنوات كان الصبر مجرد شعار يخرج لا إراديًّا حدوده طرف اللسان ولا يغير شيئًا أبدًا، الآن صار الصبر مفتاح الفرج الذى لا يتخيله أحد.
فهم الشيخ ما يدور فى باله من شكوى معلَّقة، فقال له: «الرجال قوَّامون على النساء»، هل فكرت يومًا فى المعنى الحقيقى للجملة؟
قال له: الجملة واضحة وتعطى الرجال درجة أعلى.
قال الشيخ: أما الدرجة الأعلى فهى موجودة، ولكن ليس هذا هو المعنى المباشر، للرجل درجة على المرأة، بأن الله خلقه بيديه، ثم خلق منه المرأة، فالرجل بالأصالة والمرأة بالتبعية، «وللرجال عليهن درجة»، ولذلك سُمِّينَ نساءً من النّسء، وهو التأخر لتأخر خلقهن عن الرجال.
صمت شيخه ثم قال له: سبحان الله.. هذا التتابع فى الخلق هو سر حركة الكون، فعندما ظهرت المرأة بصورة تشبه صورته حنّ إليها حنين الشىء إلى نفسه، وحنت إليه حنين الشىء إلى وطنه.
هزّ رأسه مستمتعا بهذه النفحة، لكن بقى السؤال دون إجابة، «الرجال قوامون على النساء».
قال شيخه: «قوامون» من اسم الله «القيُّوم»، أى القائم على خدمة البشر والوفاء باحتياجاتهم، هذا حق العالمين على «رب العالمين»، منحك الله شرف أن تكون قواما على النساء، لا بمعنى أنك أفضل منهن، ولكن هذا يعنى أنك القائم على خدمتها، الحقيقة أنك ربما تكون «السيد»، لكنك لست سيدا مجانا، أنت السيد من باب خادم القوم سيدهم، لكن الأصل أنك «الراعى»، المسؤول عن رعيتك، شديد التحمل لهم ودائم الصبر عليهم، الممسك بيدهم لتعبر بهم الطريق، أنت خادم لزوجتك يا ولدى.. فهمت؟
تململ قليلا وكاد يفتح باب الشكوى غير مُبالٍ بنصائح شيخه القديمة.
قال له شيخه: أفهمك يا ولدى.. كانت آخر كلمات الرسول صلى الله عليه وسلم أن أوصانا بالنساء خيرا، هو يعرف أن فى عِشْرتهن إرهاقًا وأن فى قلوب الرجال غلظة، لذلك كانت الوصية، فى التزامك بها سعادتك وفى تمرُّدك عليها شقاء لا علاج له، تَذكَّر أن سيدنا آدم كان يمرح فى الجنة ثم اكتشف فجأة أن لا طعم لها، فخلق الله له حواء ليأنس، أى أن الجنة نفسها لم يكن لها طعم من دون حواء.
تَنهَّد ثم نظر إلى وجه شيخه وهو مقتنع بكلامه، لكنه لم يعرف كيف يترجمه إلى أفعال، فسأله «يعنى أعمل إيه؟».
ابتسم الشيخ له قائلًا: الصبر.