ثمـة مشـهد مثـير للتأمل عرضه يـسرى فـوده على التليفزيون، فى أثناء لقائه الرائع مع بلال فضل، حيث نرى عامل يقوم بطلاء سور قصر الاتحادية، إذ إن المطلوب منه مسح ما رُسم من جرافيتى للشهداء، وما كُتب من عبارات تُعبر عن رأى الثائرين فى ساكن القصر وجماعته. فى حين أن الرجل يقول بلسانه كلاما يتناقض تماما مع ما يفعله بيده!
وما يقوله هذا العامل البسيط يمكنك أن تسمعه الآن فى أى مكان فى مصر، ومن أى مواطن أو مواطنة، ومن ثم فأهمية الكلام تنبع من أنه يُعبر عن رأى عام فى البلد كله.
يقول الرجل : " مفيش فايدة، مفيش فايدة فى النظام، النظام معملش حاجة، الوعود كلها كذابة، الناس بتطلع (فى المظاهرات) غصب عنها، مش لاقية حاجة حقيقية، صارح الشعب، ريح الشعب، حتلقيهم كلهم حواليك.
إنما هما بيكذبوا، الأجور مازادتش، الأسعار فى زيادة، التعليم ما تحسنش، الزبالة زى ما هية، المرور ما تحسنش، مفيش حاجة اتعملت أبـدا، كان نفسـنا تبقى ثـورة جـميلة، وكلنا نقف معاه، ومع الحكومة، ومع الإخوان، انتخابنا الإخوان ومرسى، وزعلونا، معملوش حاجة، الناس بتاكل من الزبالة، عمال بيقعدوا من الصبح لآخر النهار (مفيش شغل) ، مش لاقين جنيه ياكلوا، أنا مرتبى 700 جنية، ما بيعملش حاجة.
اللى بيطلعوا يتظهروا دول، نصهم كويس، ونصهم مش لاقى ياكل، فغصب عنهم، نصهم شباب صغير، عشرين سنة، مندفعين، الناس (المسؤولين) يقولوا الكلمة ويخلفوا فيها، صندوق النقد، حنعمل . . ، وفـس.
افتح المشاريع المقفولة من أيام حسنى مبارك، مصروف عليها ملايين ومليارات، عاوزه حاجات بسيطة، يفتحها، وهو (مرسى) قاعد فى قفص، ما بيشوفش حد، يسمع الكلام وبـس!
والفتاوى بقى، إهدار دم المتظاهرين، إيه ده، هو إحنا فراخ؟! متظاهرين ولا بلطجية، والشيخ اللى بيفتى بالقتل، إيه ده، إحنا فراخ ؟!
خلاص الشعب طلع من القمقم، ولا مرسى ، ولا أمريكا، ولا الجن الأزرق يعرف يلمهم، اللى حيلمهم الصراحة، مفيش صراحة يفضلوا كل يوم كده، ولا فيه استثمار، ولا سياحة، ولا جن أزرق، أنا تعبت من الكلام . "
والمفارقة ليست فقط فى ما يصنعه الرجل، وما يقوله، ولكنها فى المعانى البسيطة والواضحة والصادقة التى يقولها عامل غلبان على باب القصر، بالمقارنة مع ما يقوله الكبار من أهل القصر!
وأيضا المفارقة واضحة بين مرشد جماعة الإخوان السابق الذى يُفتى بقطع رقاب المتظاهرين عند القصر، والأستاذ بجامعة الأزهر الذى يُفتى بقتل المعارضين للرئيس، وبين هذا العامل البسيط الذى يُدرك بفطرته السليمة جوهر ديننا الحنيف، أكثر من شيوخ أفاقين تحركهم أمراضهم النفسية، ومصالحهم الشخصية.
إذ بالتأكيد أن قيادات جماعة الإخوان، والرئيس مرسى، والمرشد السابق، وأستاذ الأزهر تعلموا أكثر بكثير من هذا العامل البسيط، ويعرفوا علوما أكثر منه بكثير، لكن الفارق بينهم وبينه، هو عمى البصيرة، بعيد عنك.