قبول بول مكارتنى (عضو فريق البيتلز «الخنافس») لقب سير/ Sir الذى منحته إياه الملكة إليزابيث عام ١٩٩٧ اعتبر حينذاك بالاستسلام الأخير للخنافس. فانطلاقة أولاد مدينة ليفربول فى إنجلترا فى الستينيات من أغانيهم العاطفية إلى الاجتماعية ثم السياسية أكسبتهم شهرة عالمية لا مثيل لها. ففريق البيتلز بصوت جون لينون المبحوح وأشعاره الثورية مع رقة صوت بول مكارتنى ورومانسية أغانيه إلى جانب جيتار جورج هاريسون المتأثر بأوتار آلة السيتار الهندية بحثا عن الروحانيات فى موسيقاه أو طبول رنجو ستار التى حددت إيقاع الأربعة، استطاعوا كفرقة غنائية أن يجسدوا حالة التمرد التى انتابت المعيشة فى الستينيات ثم توغلت فى جميع أشكال الفنون تتبنى الحرية الاجتماعية والتحرر الجنسى واتخاذ مواقف خارج المنظومة ذاتها، مثل رفضهم وساما ملكيا، تمردًا على السلطة القائمة، بالرغم من أن الوسام كان تقديرا لدورهم الاقتصادى الهام بتصدير موسيقاهم إلى أنحاء العالم. فحينما غنى جون لينون «أعط السلام فرصة» أو «تخيل» لمس بشعره حال العالم كله، بالإضافة إلى مداعبة مباشرة وخطرة فى سكة الإلحاد. وأعتقد أن هذه الجزئية بالذات أدت فى النهاية إلى اغتياله عقب تفكك الفرقة وخوض كل عضو فيها تجاربه الذاتية. هذا لا يمحى الدور الذى قدمته الفرقة فى تلك المرحلة الهامة بإنجلترا وجعلت منها فى الستينيات ملتقى لفنون السينما والمسرح والموسيقى والرسم وحتى الموضة، وألهمت الفنون بروح التمرد لتغير وتطور كل ما هو تقليدى، فأصبح هناك اتجاه للواقعية الاجتماعية فى السينما، ما لقب بسينما المطابخ والتجريد والتغريب على خشبة المسرح، وموسيقى وأغان تخاطب العقول، وموضة أزياء لا تعرف الخجل. مع خسوف الستينيات بدأ الغزو الأمريكى عن طريق الأكلات السريعة «Fast Food» مثل البيتزا والهامبورجر وصولا إلى الإبهار التكنولوجى، وتحولت الأشياء والفنون سواسية إلى سلع تغازل حواس العامة، وحسمت نهايات عديدة مثلما حدث لفريق البيتلز من اغتيال جون إلى عزلة رينجو ووفاة جورج وحيرة سير بول مكارتنى بمحاولاته البقاء على الساحة، إما بتكوين فرقة جديدة لم تدم كثيرا أو خوضه تأليف سيمفونية فاترة المذاق. اليوم لا تزال موسيقى وأغانى البيتلز الأصلية حية تعبر بصدق عن إحباطات وإنجازات ومخاوف وأحلام جيل بعد جيل، فحين غنوا «إنها تاركة دارها / She,s Leaving Home» لمست ملايين الأمهات والآباء والأبناء، بل أصبحت مقدمة برنامج إذاعى يخاطب الذين هجروا بيوتهم أو أوطانهم كى يعودوا إلى ذويهم. هذه كانت فاعلية أغنية واحدة من أغانيهم، فما بالك بكم الأغانى التى قدموها تدعو وتبشر وتنذر وتتفاءل وتبحث عن معانى الحب والحرية والسلام.
رحلة الخنافس
مقالات -
نشر:
20/2/2013 10:37 ص
–
تحديث
20/2/2013 10:37 ص