الشهيد عبد الحي السيد حسن هو العامل الذي اغتالته رصاصات الأمن أثناء فض اعتصام سلمي لعمال الحديد والصلب في مطلع أغسطس 1989. عقب الاغتيال الإجرامي لعبد الحي داخل أسوار الشركة أصبح الهتاف الموحد لعمال الحديد والصلب بالتبين في كل مناسبة "حي .. حي .. عبد الحي لسه حي". هكذا واجه عمال الحديد والصلب همجية وجرائم نظام مبارك في مواجهة اعتصام سلمي يرفع مطالب مشروعة. كان أول رد من العمال في الانتخابات البرلمانية عام 1990 حيث خسر مرشح الحزب الوطني على مقعد العمال في الدائرة أمام أحد قيادات الاعتصام الذي كان خارجا لتوه من السجن بسبب الاعتصام. وفي الانتخابات النقابية التالية في عام 1991 أطاح العمال بالنقابة التي وقفت ضد اعتصامهم وانحازت للإدارة ونجح قادة الاعتصام.
لم يتردد نظام مبارك في ارتكاب الجرائم ضد الحركة العمالية في حلوان والمحلة وكفر الدوار وشبرا وغيرها من مدن العمال. فصل وتشريد واعتقالات واجتياح الشركات بالمدرعات وإطلاق الرصاص الحي على العمال في الإضرابات السلمية _ لم يستخدم نظام مبارك الكلاب المدربة في فض الاحتجاجات العمالية _ ومع ذلك استمرت الحركة العمالية في تنظيم الإضرابات والاعتصامات، حتى أجبرت نظام مبارك للخضوع لمطالب العمال في الإضرابات وتلبية بعضها والاستعاضة عن القمع والتدخل الأمني بالجلوس على مائدة التفاوض مع العمال.
هل يعرف أيا من الجالسين على مقاعد الحكم اليوم أي شيء من هذا التاريخ. يبدو أن من يحكمون البلد لا يعرفون الكثير عن تاريخها. وإلا ما أقدموا على إطلاق الكلاب البوليسية على اعتصام سلمي لعمال شركة الإسكندرية للأسمنت. العمال اعتصموا للمطالبة فقط بوضع طبيعي وعلاقات عمل عادية. فإذا كانوا يعملون في شركة الإسكندرية للأسمنت أعمال دائمة وليست عرضية ولفترات ممتدة وعملهم يدخل في طبيعة عمل المنشأة بحسب الاصطلاح القانوني، فمن حقهم أن ينتسبوا للشركة مباشرة عبر عقود عمل قانونية، لا أن يكون عملهم عبر السمسار الذي ظهر مؤخرا تحت مسمى شركات توريد العمالة في ظاهرة أقرب للنخاسة. هل هذا المطلب يستدعي أن تجتاح المدرعات الشركة ويطلق الأمن الكلاب البوليسية على العمال ويصاب منهم 150 عامل منهم أربعة في العناية المركزة ويعتقل أخرون بحسب بيان الاتحاد المصري للنقابات المستقلة. ألا يستحق العمال في مصر علاقات عمل عادية وفقا للقانون الذي وضعته الدولة نفسها التي أطلقت كلابها عليهم. ألا يستحق العمال أن يعبروا عن مطالبهم ويدافعوا عن حقوقهم المشروعة. الحقيقة أن الكلاب التي أطلقت على العمال لو علمت شيئا من تاريخ الحركة العمالية لما استجابت لأوامر مدربيها ولكانت أكثر حصافة ممن أصدر الأوامر. لقد انتزع العمال المصريون حقهم في الاحتجاج بالاضراب والاعتصام والتظاهر في ظل طوارئ مبارك ورغم مدرعاته ورصاصه. عندما أذعنت أحزاب وجماعات لحكم مبارك وعقدت معه الصفقات وتواطأت على جرائمه كانت الطبقة العاملة تقف وحدها تتحدى الطوارئ والاستبداد. وعندما طبق المجلس العسكري قانون تجريم الإضراب وأحال العمال للمحاكمات العسكرية لم يوقف ذلك احتجاجات العمال. إذا لم يستطع حكم مبارك ولا المجلس العسكري إخماد الحركة العمالية فإن حكم الجماعة لن يتمكن أيضا من ذلك. طريقة واحدة يمكن بها التعامل مع الحركة العمالية. الاستماع لمطالبها وفهمها وتنفيذها أو حتى التفاوض عليها وشرح ما يعوق تنفيذها فورا والاتفاق على جدولتها.
عبر عمال الحديد والصلب قبل ما يقرب من ربع قرن عن هذه الطبيعة في الحركة العمالية عندما هتفوا "حي .. حي ...... عبد الحي لسه حي" فعبد الحي كان قد أصبح رمزا للحركة العمالية التي استمرت حية ومتوهجة رغم إطلاق الرصاص عليها. أطلق مبارك الرصاص "وعبد الحي لسه حي" جرم المجلس العسكري الإضراب وأحال العمال للمحاكم العسكرية "وعبد الحي لسه حي" وها هو مرسي يطلق الكلاب على العمال في الاعتصام السلمي وسيظل عبد الحي حيا يدافع عن حقوقه وينتزعها ويرغم الأنظمة المتعاقبة على الإذعان لمطالبه والاعتراف بحقه في التنظيم المستقل والإضراب والأجر العادل حتى يقضي تماما أنظمة الاستبداد والظلم ليبني بنفسه نظام الحرية والعدالة الاجتماعية.