لن يسكتوا ولن يصبروا ولن يحتملوا بقاءه طويلا..
إنهم يريدون وزيرا للدفاع على طريقة وزير داخليتهم محمد إبراهيم!
هذا هو سر الغضب الإخوانى على الفريق أول عبد الفتاح السيسى، الذى تجلَّت إحدى صوره فى الأنباء عن إقالته التى دسَّتها عناصر الإخوان الإلكترونية على مواقع الإنترنت، إنذارا وتحذيرا للرجل، شأن ما كانت تفعله بالضبط مع المستشار عبد المجيد محمود، وكما فعلته مع وزير الداخلية السابق أحمد جمال الدين.
مكتب الإرشاد الذى يحكمنا من مغارته، ويُملِى على الدكتور مرسى قراراته، لا يطيق أى مسؤول لا ينفِّذ التعليمات حرفيًّا وبمنتهى الحماس الغشيم والغاشم للجماعة. نموذج أداء محمد إبراهيم وزير الداخلية، وطلعت عبد الله النائب المعيَّن من مرسى، هو النموذج المثالى للإخوان، لا تهتم بصورتك أمام الناس ولا بقيمتك أمام الرأى العام ولا بسمعتك أمام مرؤوسيك ولا بشكلك يوم خروجك من المنصب ولا بضميرك أمام ربنا، فقط نفِّذ أوامر المرشد!
الفريق أول عبد الفتاح السيسى ليس كذلك ولن يكون.
هو ليس إخوانيا بالقطع، ثم إنه ابن المدرسة الوطنية فى الجيش، ورجل متربى مصريا وليس متربى إخوانيا، ولن يطبِّق سياسة الإخوان ولا تعليماتهم لا بشكل مباشر ولا بشكل فظّ، ولا يسأل فيهم أحيانا، من هنا كان موقف الجيش فى محافظات القناة مع شرعية الشعب لا مع شرعية الغضب الرئاسى، منضبطا ومحافظا على علاقته وصورته مع الناس، لم يكن فى أى مشهد حتى الآن ذراعا للإخوان ولا خصما للقوى السياسية ولا الشعبية، ثم على الناحية الأخرى كان يحذِّر على لسان قائده ثم قادته من مغبَّة الصراع وعدم الاستقرار السياسى، فظهر الجيش محايدًا أو ضامنًا للسلام الاجتماعى والأهلى فى البلد!
من هنا جاء الغضب الإخوانى الواضح، الذى لا يحمل أى التباس ضد الفريق أول السيسى، خصوصا مع صيحات بعضُها من فرط الكراهية للإخوان، وبعضُها من فرط الخوف على البلد، وبعضُها من إفراط فى ثقة الناس بالجيش، تطالب كلها بتدخل السيسى لإنقاذ الوطن، وهى صيحات تتمدد شعبيا رغم التحذير اليومى من مغبة جلب الجيش للسياسة مرة أخرى، لكن اليأس من إمكانية انصلاح حال الإخوان يُذكِى هذه المشاعر التى لم تَعُد سرًّا، ولم تعد محصورة فى فئات بعينها، ولم تعد محاصَرة باستنكار واسع كما فى شهور مضت، كما قُلت قبلا يجب عدم تحفيز أو تأييد أن يلعب الجيش دورا سياسيا على الإطلاق، العكس هو المفروض، أن يكون الجيش جيشا، ومؤسسة عسكرية منضبطة وقوية، لا دخل لها بالسياسة والاقتصاد والبزنس والدين معًا. يركز فى شغله كمؤسسة تحت ولاية وإدارة السياسة المنتخَبة ديمقراطيًّا بشروط النزاهة. لكن المشكلة التى تعوق هذا التحذير عن الوصول إلى الناس هى جماعة الإخوان التى تصمم أن تجعل من الجيش مطية لها ومن وزير الدفاع مأمورا من مكتب إرشادها، ولا تطيق انضباطه ولا حياده ولا حتى ولاءه لمرسى، بل تطلب منه أن يكون ذراعها العسكرية، كما صارت الداخلية ذراعها الأمنية، وتسعى إلى أخونة الجيش، ومن ثم تخرج كل يوم من مكتب الإرشاد إشارات بالإطاحة بالسيسى، سواء قبل الانتخابات البرلمانية ضمن تعديلات تبدو مستجيبة للمعارضين أو فى حكومة بعد الانتخابات، على اعتبار أنها بداية جديدة للجمهورية المزعومة.
لقد أشار الفريق أول عبد الفتاح السيسى كثيرا فى جلسات مع مفكرين وصحفيين خلال توليه منصب مدير المخابرات الحربية إلى أن الشعب سوف يستدعى الجيش للتدخل أكثر من مرة بعد تسليم السلطة.
الأسباب -كما اعتقدتُ أنه تصورها- وضع اقتصادى صعب ومزعج وعلاجه مؤلم، وسوف تنتج عن الأزمة الاقتصادية -كما ستنتج عن محاولة حلها- انفجارات اجتماعية وأمنية سيتم استدعاء الجيش للتعامل معها بالإطفاء أو الإخماد أو الإجهاض أو التطويق.
وضع سياسى مشتَّت وغير ناضج وتتصدره أغلبية غير راشدة تحمل أجندة صدامية، ومن ثم سيحدث التصادم الذى سيتحرك مثل كرة ثلج، وحين يكبر سوف يستدعى الشعبُ الجيشَ للفصل أو للتفاوض أو للحسم.
وضع دولى.. حيث استثمرت أمريكا والغرب فى الجيش تسليحا وتدريبا حتى يبقى رمانة الميزان فى الشرق الأوسط وضامنا لعملية السلام ومحددا لشروط اللعبة، بحيث إن أى خروقات للاتفاقات يردعها الجيش باستدعاء دولى بغطاء شعبى.
لكنه لم يَقُل أيامها سببا رابعا، وهو حين يفكر الإخوان فى أن يتناولوا الجيش على العَشاء لكن ماذا سيحدث حتى موعد العَشاء؟!