قبل يومين وفى قناة «التحرير» أغلقت المذيعة سنار سعيد الهاتف فى وجه عصام سلطان نائب رئيس حزب الوسط، كان هذا هو آخر مشهد فى مسلسل غلق التليفون فى وجه الضيف أو إغلاق الضيف التليفون فى وجه المذيع، تتجدد معارك التليفون بين كل أطراف الصراع فى مصر، تستطيع أن تعتبر البداية جاءت مع المذيعة ريم ماجد على قناة «أون تى فى» فى برنامجها «بلدنا بالمصرى» حيث تعرضت مرتين لغلق التليفون فى وجهها الأولى مع وزير التنمية المحلية اللواء أحمد زكى عابدين، والثانية مع عصام العريان نائب رئيس حزب الحرية والعدالة، وتعددت فصول غلق التليفونات، وكانت أشهرها تلك التى فعلها محمود سعد عندما أغلق السماعة فى وجه صفوت حجازى عبر برنامجه فى قناة «النهار». بالتأكيد من يقف ضد صفوت، وهم كُثر، لم يشف غليله أن يكتفى محمود بهذا القدر، بل اعتبروه مهذبا أكثر مما ينبغى.
توقفت سبل التواصل فى المجتمع، أصبحنا نقف على الحافة، بينما النظام بأكاذيبه تارة وتراجعاته تارة لعب دور «ثانى أوكسيد المنجنيز» العنصر الذى يساعد على الاشتعال. الوطن المحتقن يُخرج الجميع عن طورهم.. شىء من هذا من الممكن أن تجده قبل عام عندما طرد عمرو أديب فى برنامج «القاهرة اليوم» فى فضائية «الأوربت» الصحفى والشاعر عبد الرحمن يوسف على الهواء عندما اعترض على معلومات خاطئة تناولته فى المقدمة فلم يعتبرها فقط مغلوطة، بل ومقصودة وانتقد القائمين على البرنامج، وهو ما أثار حفيظة عمرو، لأنه تجاوُز لا يليق من الضيف ضد فريق العمل فطرده من الاستوديو. هل أُنعش ذاكرتكم بجلسة الصلح الشهيرة التى عقدها التليفزيون المصرى قبل الثورة بأشهر قلائل وأدارها محمود سعد وحضرها مرتضى منصور وأحمد شوبير وخالد الجندى وترك مرتضى البرنامج على الهواء، كانت حالة استثنائية، الآن صار الاستثناء قاعدة.
الثقافة المتداولة حاليا لا تجد بأسا فى هذه التجاوزات مثلما بات معتادا أن ترى سيارة تخترق الطريق الدائرى فى الاتجاه المعاكس، نعم ما أقوله مضحك أمام ما يجرى الآن على نفس الكوبرى من اختطاف مسلح للسيارات تجرى أحداثه فى وضح النهار.
على مواقع التواصل الاجتماعى أصبح النت مليئا بالشتائم، كنا نتصور أنها لا تقال إلا فى نطاق الدوائر المحدودة ولكنها أصبحت متداولة ولم تعد تصيب أحدا بالدهشة.
العلانية دفعت الناس إلى أن تصبح طرفا فاعلا فى كل ما يجرى وسواء الضيف أو المذيع يريد فى نهاية الأمر أن يسجل لدى المشاهدين هدفا لصالحه. أغلب مقدمى البرامج مع مرور الزمن لم يعد يكتفى بـ«الديالوج» الحوار الثنائى ولكنه صار «مونولوجا» يرسل فقط، وأيضا أغلب الضيوف أصبحوا لا يطيقون الحوار، كل منهم يريد أن يستحوذ بمفرده على الجلسة، المونولوج طبقا لتعريفه العلمى هو حديث النفس أو النجوى، وهو يكون قائما بين الشخصية ونفسها ومصدر الكلمة يونانى «مونو» يعنى أُحادى و«لوجوس» خطاب وبالطبع قد يتبادر إلى الذهن تعبير مونولوجيست، ولا بأس فهى تعنى أيضا الأداء المنفرد وإن كان له طابع فكاهى ساخر.
يجب أن نعترف بأن العديد من مقدمى البرامج صاروا متخصصين فى أداء المونولوجات الفكاهية، ولكنهم لم يصبحوا إسماعيل ياسين. القسط الوافر منهم غير موهوب فى هذا اللون ولكن المشاهد صار متعلقا بالمذيع الذى يطل عليهم يوميا، والمذيع لم يعد يكتفى بترديد السؤال، ولكنه يوحى للضيف بالإجابة، هذا بالطبع فى البداية بعد ذلك ينتقل إلى الصف الثانى ويجيب هو، وشيئا فشيئا ينتقل إلى الصف الثالث ويختفى تماما السؤال ويصبح مقدم البرنامج يطرح الأسئلة على نفسه ويتفضل على المشاهدين بالإجابة. وللتذكرة ظل مفيد فوزى يظهر فقط قفاه للناس نحو عشر سنوات فى برنامجه «حديث المدينة» قبل أن يسمح له المسؤولون فى ماسبيرو بظهور وجهه طارحا فقط السؤال. أول من قدم المونولوج هو حمدى قنديل فى برنامجه «أقوال الصحف» مع بداية إنشاء التليفزيون المصرى فى الستينيات، ومع بزوغ عصر الفضائيات صار حمدى قنديل هو الألفة فى أداء المونولوج. تستطيع أن ترى اليوم عددا كبيرا من مقدمى البرامج يرتدى جاكتة حمدى قنديل.
ليست المرة الأولى ولا هى الأخيرة بالطبع التى نرى فيها السماعات تغلق بين الضيف والمذيع، الكل يرى أنه الصواب والآخر باطل، وتحية خاصة لريم ماجد، لأنها تحملت مرتين وكسبت احترامنا فى المرتين.