أرجو أن يتمكن العقل المصرى من دخول منطقة الحوار والمشاركة حتى لا يبدو أننا سنظل فى غفلة عن الأحداث الكبرى التى تجرى من حولنا فى الشرق الأوسط وفى العالم، والتى تنتج موازين قوى تدفع مصر ومكانتها الإقليمية والدولية إلى قاع الأمم. هناك ثلاثة أحداث كبرى يجب أن ننتبه إلى مغزاها. الأول، التفجير النووى الذى قامت به كوريا الشمالية تحت الأرض فجر يوم الثلاثاء 13 فبراير الجارى.
والثانى، جولة المفاوضات حول الملف النووى الإيرانى والتى ستجرى فى كازاخستان بين مجموعة الدول الست وبين إيران يوم 26 فبراير الحالى. والثالث، الزيارة التى سيقوم بها الرئيس أوباما إلى إسرائيل ومنطقة السلطة الفلسطينية بالضفة الغربية والأردن، حتى هذه اللحظة لم أسمع تصريحاً سياسياً مصرياً يعلق على هذه الأحداث فى الوقت الذى يفتح فيه الإسرائيليون عيونهم على أقصاها وهم يراقبون ما يحدث ويجرون حسابات الربح والخسارة الخاصة بهم فى كل حدث.
لقد جاء التفجير النووى الكورى ليدق ناقوس الخطر فى تل أبيب فأصدرت الحكومة بياناً يستنكره ويطالب القوى الكبرى بتوجيه رسالة واضحة إلى كوريا الشمالية وإيران بأن أنشطة التسلح النووى غير مقبولة ولا يمكن التسامح معها.
ترى ما الذى يقلق إسرائيل من تجربة كورية بعيدة عنها. يجيب أساتذة الهندسة النووية الإسرائيليون والمحللون الاستراتيجيون عن السؤال بالقول إن هناك احتمالاً كبيراً لمشاركة خبراء وعلماء إيرانيين فى التجربة الكورية والتى تتسم بالتقدم والتعقيد التكنولوجى، ويطالبون أجهزة مخابراتهم بتحرى هذا الاحتمال الكبير والتأكد منه.
ما لا تقوله التحليلات الإسرائيلية هو أن أهداف هذا التحرى ستتراوح بين قياس درجات الخبرة التكنولوجية العسكرية التى وصل إليها الإيرانيون من ناحية وبين تحديد شخصيات الخبراء الإيرانيين الذين شاركوا فى التجربة الكورية لتعقبهم وتصفيتهم بدنياً كما سبق أن حدث مع الدكتور المشد الخبير النووى المصرى الذى كان يعمل فى مشروع المفاعل النووى العراقى فى الثمانينيات من القرن العشرين.
من المفيد هنا أن نعرف ميزان القوى النووية فى العالم طبقاً للمصادر العالمية. تتوزع الترسانة النووية فى العالم على تسع دول طبقاً لعدد الرؤوس النشطة المتفجرة الجاهزة للاستخدام على النحو التالى : 1- الولايات المتحدة 2150 رأساً، 2- الاتحاد السوفيتى 1740 رأساً، 3- فرنسا 290 رأساً، 4- بريطانيا 160 رأساً، 5- الصين 240 رأساً، 6- الهند 80 – 100 رأس، 7- باكستان 90 – 110 رؤوس، 8- كوريا الشمالية أقل من عشرة رؤوس، 9- إسرائيل 80 – 200 رأس.
إن هذا الميزان يبين حاجة الدول العربية والإسلامية إلى إدراك حجمها فى موازين القوى الإقليمية والدولية. إن إسرائيل التى تحافظ على سياسة الغموض النووى بعدم الاعتراف صراحة بأنها تمتلك هذا السلاح من ناحية وبدون نفى التقارير الدولية عن عدد الرؤوس التى تمتلكها من ناحية ثانية تعمل بدأب على حرمان أى دولة عربية أو إسلامية بما فى ذلك إيران من امتلاك هذا السلاح أو تحضير القوى البشرية اللازمة لإنتاجه.
من هنا تنظر إسرائيل إلى كوريا الشمالية الصديقة للعرب ولإيران على أنها ظهير خطير يساند العرب والمسلمين ضدها ومن هنا أيضاً تعمل قدر الإمكان على محاصرة هذه الدولة الآسيوية وتعقب أى مساندة تكنولوجية تقدمها للعرب، وتدميرها مبكراً تماماً مثلما فعلت بقصف المنشأة النووية السورية فى دير الزور التى بناها الخبراء الكوريون الشماليون قبل بدء تشغيلها عام 2007.
يصف إيهود باراك وزير الدفاع الإسرائيلى كوريا الشمالية بأنها مثل جرافة الثلج وهى جرافة تستخدم لتحطيم وإزاحة الثلوج التى تتراكم على الممرات والطرقات وتسدها. ويرى أنها تفتح الطريق أمام السفينة النووية الإيرانية لتنطلق دون عقبات- ويرى المحلل روف بن يشاى فى يديعوت أحرونوت أن هذا التشبيه صحيح تماماً وهو ما يفسر لماذا يعتبر التفجير النووى الكورى نذير شؤم على إسرائيل.
إن الحدث الثانى المهم والمتمثل فى اجتماع الدول الخمس دائمة العضوية فى مجلس الأمن، بالإضافة إلى ألمانيا، فيما يعرف بالدول الست مع إيران فى كازاخستان يثير قلق الإسرائيليين وهو اجتماع سيدور حول وقف تخصيب اليورانيوم. إن لدى الإسرائيليين قلقاً شديداً من موقف أوباما فإدارة الرئيس أوباما لا تبدو مستعدة لمجاراة خط نتنياهو الداعى إلى مزيد من الضغوط على إيران والذى يلوح بتوجيه ضربة عسكرية للمنشآت النووية الإيرانية. بل يبدو أن أوباما مهتم بالوصول إلى صفقة مع إيران بالطرق السلمية تحقق الأمن لإسرائيل من ناحية، وتحقق لإيران مكاسب معقولة من ناحية أخرى. هنا قال نتنياهو أخيراً إن هناك أجهزة طرد مركزى حديثة ستشغلها إيران فى منشأة فردو المحصنة، يمكنها أن تختصر فترة تصنيع القنبلة الإيرانية بنسبة الثلث، واعتبر هذا اقتراباً إيرانياً من الخط الأحمر الذى يستوجب التدخل العسكرى.
إن الرئيس أوباما يتطلع إلى تقدم فى مفاوضات كازاخستان قبل زيارته إلى إسرائيل فى شهر مارس ليمكنه وضع فرامل على اتجاه نتنياهو للتصعيد ضد إيران. إن الإسرائيليين يرون أن كوريا الشمالية قد استنت منهج الابتزاز مع القوى الدولية بمفاجأة العالم بتفجيراتها النووية التى بلغت ثلاثة حتى الآن، وفى أعقاب كل تفجير يسارع العالم إلى تهديدها بالعقوبات، ويجرى معها مفاوضات تنتهى بتزويدها بالغذاء والوقود مقابل إعلان شفوى أنها ستنزع سلاحها النووى لتفاجئ العالم بعد فترة بتفجير جديد. ويرى المحللون الإسرائيليون أن إيران تطبق نفس المنهج وأنها ستعد فى كازاخستان وعوداً معسولة تعود بعدها لاستئناف برنامجها النووى. أين مصر من هذا كله؟ أرجو أن نسأل أنفسنا هذا السؤال.