تزايد الحديث عن انتخابات مجلس النواب الجديد، وهناك مَن أكد أن الرئيس سوف يدعو إلى هذه الانتخابات بحلول الخامس والعشرين من فبراير الجارى، وأن الانتخابات على هذا النحو سوف تجرى فى الأغلب فى نهاية أبريل القادم. وتروّج مؤسسة الرئاسة لأقوال من نوعية أن الانتخابات سوف تضع البلاد على أول طريق الاستقرار، سوف ينتهى العنف وتبدأ مرحلة البناء، والحقيقة أن مثل هذه الأقوال لا قيمة لها ولا يمكن التعامل معها بجدية، فقد سبق وقالوا كلامًا مشابهًا عن الانتخابات البرلمانية السابقة، وكرروه بشأن الانتخابات الرئاسية، وأضافوا الكثير عليه بشأن كتابة الدستور، وقالوا إن وضع دستور جديد للبلاد سوف يؤدّى إلى الاستقرار، وتحقيق الأمن ودوران وعجلة الإنتاج. ولم يتغير شىء فى مصر، فقد سارت البلاد من سيئ إلى أسوأ، بل إن كل استحقاق من هذه الاستحقاقات أحدث انقسامًا جديدًا فى مجتمع مقسّم، فالبرلمان الذى تم انتخابه جرى حلّه سريعًا من قبل المحكمة الدستورية العليا بسبب عدم دستورية بعض مواد قانون الانتخابات، والرئيس الذى تم انتخابه، تسبَّب فى مزيد من الانقسام، والدستور الذى جرى تمريره بليل صار أحد أبرز مصادر الانقسام والصراع. السبب الرئيسى وراء ذلك هو محاولات اختطاف الدولة من قبل الجماعة، ومحاولات الجماعة الهيمنة على مفاصل الدولة المصرية، وتصور الجماعة أنها يمكن أن تسيطر على الدولة المصرية تدريجيًّا، وأن مظاهر الاحتجاج والغضب هى مظاهر عارضة مؤقَّتة سرعان ما تختفى وتهدأ ومن ثَم تكون للجماعة السيطرة على مؤسسات الدولة، وتبدأ فى تحقيق الأخونة وحلم الخلافة. الجماعة ومندوبها فى مؤسسة الرئاسة يراهنون على سياسة القضم التدريجى لمؤسسات الدولة بعد أن تأكد لهم بما لا يدع مجالا للشك أن الالتهام دفعة واحدة أمر غير وارد، ووفق هذه الرؤية يتعاملون مع كل ما يحدث على أنه ردود فعل سريعة تتسم بالحدة والانفعال، وأنها سوف تهدأ بمرور الوقت، لذلك تتحمَّل الجماعة ويتحمَّل الرئيس ما نشهده من تجاوزات فى المظاهرات التى لم تتوقف منذ فترة طويلة.
المؤكد أن الجماعة تعد جيدًا للانتخابات البرلمانية القادمة، وتعمل بكل قوة على الفوز بأكبر عدد من المقاعد، وتخطط لتعويض ما تآكل من رصيد لها لدى الطبقة الوسطى وفى المناطق الحضرية، عبر الحصول على نسب أعلى من أصوات الريف المصرى والمناطق الأكثر فقرًا من خلال توظيف إمكانات الدولة وقدراتها فى تقديم خدمات مادية مباشرة ومنح مزايا عينية من ميزانية الدولة تحت راية الحزب ولخدمة مرشيحها، وتراهن الجماعة على شنط المساعدات التى تحتوى على مواد غذائية فى جذب المزيد من الأصوات. تدرك الجماعة أن الحصة الأهم من أصوات المصريين تلك الموجودة فى الريف والمناطق الأكثر فقرًا، ومن ثَم تعد حملة ضخمة تتضمن تعيينات فى وظائف، وأموالًا ومواد غذائية، الطريقة ذاتها التى كان يتبعها الحزب الوطنى، ويبدو أن الجماعة تقوم بها على خير وجه وربما بطريقة أفضل من الحزب الوطنى. يحدث ذلك بينما تحرص مؤسسة الرئاسة على إلهاء الأحزاب المدنية فى صراع حول الحوار الوطنى، وعلى إحداث نوع من الانقسام فى صفوف هذه الأحزاب حول قضية الانتخابات ذاتها، فتبدو هذه الأحزاب مشتتة وممزقة ما بين دخول الانتخابات ومقاطعتها، وتظهر هذه الأحزاب فى مظهر المتردد فيتخبَّط ناخبو هذه الأحزاب ولا يعلمون على وجه الدقة حقيقة موقف هذه الأحزاب من الانتخابات، هل سوف تخوض الانتخابات أم سوف تقاطعها؟ وقد يبدو المشهد مشوَّشًا داخل الأحزاب وينتقل التشويش إلى القواعد والناخبين، يحدث هذا كله بينما تواصل الجماعة وحزبها ورفاقها العمل على الأرض وسط الناس، تقدم الخدمات والمساعدات، تطرح مرشحيها مبكرًا للناخبين، لا سيما فى المناطق البعيدة عن العاصمة، حيث الكتل التصويتية الضخمة، وحيث نسبة المشاركة الأعلى وحيث التصويت الجماعى. لكل ذلك لا بد أن تحسم جبهة الإنقاذ موقفها من الانتخابات فى أسرع وقت، وتقول صراحة ما الشروط التى تطالب بها كى تخوض الانتخابات، والتى إذا لم تتوافر فسوف تقاطع الانتخابات، وذلك حتى تصل الصورة واضحة إلى الرأى العام الذى يترنّح على وقع تخبط الجبهة. فى تقديرى أنه على الجبهة أن تعلن صراحة أنها سوف تخوض الانتخابات فى حال توافر ضمانات إجراء انتخابات حرة ونزيهة وتتمثل هذه الضمانات فى حكومة محايدة، لجنة قضائية محايدة لمراجعة كشوف الناخبين، وإشراف قضائى كامل على العملية انتخابية ورقابة دولية ومحلية على الانتخابات، إذا تمت الاستجابة إلى هذه المطالب التى تعنى انتخابات حرة ونزيهة، تشارك الجبهة بكل قوة فى الانتخابات وتحصل على ما يمنحه إياها الشعب المصرى، وإذا استمرت المناورات والمراوغات عبر الحديث عن حوار وطنى مع مؤسسة الرئاسة، فعلى الجبهة أن تعلن وفى أسرع وقت مقاطعة الانتخابات، وعندها يكون مرسى قد سار سريعًا فى طريق مبارك، وتكون الانتخابات القادمة أشبه ببرلمان ٢٠١٠!!