أصبحت إيران أحد العناصر الحاضرة فى المعادلة المصرية بشكل ملحوظ منذ سقوط النظام السابق، ثم تأكد هذا الحضور منذ تمكنت الجماعة من الإمساك بتلابيب البلاد، وكان هذا الإمساك إيذاناً أو تحذيراً من أن التجربة الإيرانية قريبة من التكرار فى مصر مرة أخرى، ولكن بأسلوب مصرى، والتشابه، كما ذكرنا بين الحالتين من قبل، يتمثل فى عملية اختطاف التيار الدينى المتأسلم حركة اجتماعية بالأساس، يقفزون عليها ليسيطروا، حدث هذا فى إيران، ويحدث الآن فى مصر مع اختلافات بالطبع.
الحضور الإيرانى لا يتمثل فقط فى ذلك التشابه، ولكنه أيضاً فى تلك الحالة من عدم الفهم التام لآلية العلاقة المصرية الجديدة مع إيران وطبيعتها، الأكيد وجود هذه العناصر التى تبدو متناقضة، ولكن الأيام كفيلة بتفسيرها، وهذه العناصر هى:
العلاقة بين الجماعة والولايات المتحدة هى علاقة تعتمد عليها الجماعة كثيراً فى الإحساس بالثقة والتقدم إلى الإمام، رغم رغبة المواطنين، للإحساس اليقينى لديها حتى الآن بأن الغرب داعم لها فى الحكم فى ظل الاستراتيجية الغربية فى هذه المرحلة. على جانب آخر، العلاقة الإيرانية الغربية حدث عنها ولا حرج، فكلاهما يعتبر الآخر شيطان الأرض، التناقض هنا هو كيف يضبط من يرسم سياسة مصرية خارجية هذا التناقض؟ أم أن ما يحدث يقع فى إطار التنسيق والتكليف بأدوار بعينها؟!
- التناقض بين البلدين - كما يبدو على السطح - فى الموقف من سوريا، ولكن فيما يبدو فإن هناك اتفاقاً على حدود هذا الخلاف.
- العلاقة المصرية - الإيرانية تبدو فى أحسن مستوياتها، رغم اللعب على مشاعر البسطاء من المسلمين السنة بالترويج لما تضمنته خطبة الرئيس المصرى عدة مرات إلى آل البيت فى حضور إيرانى أو فى زيارته إلى إيران، وهذا الترويج لمثل هذه المواقف الشكلية لا أراه من الحكمة، لأنه يعمق دون أن يدرى المروجون له الخلاف بين المسلمين سنة وشيعة.
- أحد العناصر المهمة هو أن العلاقة المصرية - الخليجية فى هذه المرحلة غاية فى الأهمية، خاصة فى ظل الأزمة الاقتصادية الطاحنة، ولكن فى ذات الوقت فإن التوتر الحادث فى هذه العلاقات لم يحدث من قبل، وهنا خرج البعض ليفترض أو ليقنع السياسيين المصريين بأن استخدام ورقة العلاقات مع إيران يمكن أن يكون ورقة ضغط مهمة على الدول الخليجية. وهذا إن صدق فإنه يعد لعباً بالنار.
- من يتابع الحضور الإيرانى فى مصر مؤخراً سوف يلاحظ حجم التزايد الواضح، يمكن فقط الإشارة إلى حجم الزيارات المتبادلة بين وفود من البلدين، الأهم هو رصد طبيعة الوفود المدعوة من المصريين وحجمها وطبيعة اللقاءات التى تتم، أيضاً هناك حاجة إلى قياس الحضور الإيرانى فى الإعلام المصرى حالياً. أيضاً الإشارة هنا إلى رغبة إيران فى التوسع فى حضورها الإعلامى من خلال وكالة أنبائها الرسمية، مستهدفين أن تكون منافساً لوكالة الأنباء التركية، كذلك التوسع الملحوظ فى مكاتبها ومراسليها. وإذا كانت هناك انتخابات برلمانية قادمة فما هو حجم التأثير الإيرانى على تلك العملية؟ وهنا يظهر تساؤل آخر عن مدى علم أو السماح أو غض الطرف أو التنسيق مع السلطة الحاكمة والقوى السياسية التى تشغل كامل حيز العمل السياسى فى مصر؟
على الرغم مما يبدو من عدم فهم لما يحدث فى هذه العلاقة فإن الأكيد أن تأثيراً واضحاً لإيران فى الشأن المصرى فى ظل الحكم الجديد، وليس أدل على ذلك من تلك الرسالة التى نشرتها بفخر وكالة الأنباء الإيرانية، والموجهة ممن وصفوا بأنهم نخبة إيرانية تقترح على مرسى نقل تجربتها فى أسلمة الدولة، 17 من النخب الإيرانية الموالية للحكم، بينهم وزير الخارجية الإيرانى الأسبق، ومستشار المرشد الإيرانى الأعلى فى الشؤون الدولية الدكتور على أكبر ولايتى، والرئيس الأسبق للبرلمان، تجدر الإشارة هنا إلى أن «الولى الفقيه»، أو المرشد الأعلى للنظام، يحتل رأس هرم السلطة فى الجمهورية الإسلامية الإيرانية، ويتمتع بصلاحيات دستورية مطلقة من قبيل القيادة العامة للقوات المسلحة وتنصيب وعزل أعضاء مجلس تشخيص مصلحة النظام، والفقهاء فى مجلس صيانة الدستور، ورئيس السلطة القضائية ورئيس هيئة الإذاعة والتليفزيون وقائد الحرس الثورى، بالإضافة إلى توشيح حكم رئيس الجمهورية بعد انتخابه وإقالته بعد إصدار حكم العزل من قبل المحكمة العليا.
كما جرت العادة فى الجمهورية الإسلامية الإيرانية بأن أى رئيس جمهورية إيرانى لا يعين أو يعزل أى وزير سيادى من قبيل وزراء الخارجية والداخلية والأمن والنفط إلا بعد موافقة المرشد الأعلى، أى الولى الفقيه.
كنت دائماً من الداعين لأهمية وجود علاقة صحية وقنوات اتصال دائمة مع إيران، ولكن المهم دائماً هو إدراك ما نفعل، وأن يكون الهدف الأساسى هو صالح الوطن وليس صالح جماعة أو مشروعاً يتخطى حدود الوطن.