أخيراً تحققت أمنيتى وقابلته. الإنسان الذى يصنع المعجزة التى فشلتُ فى تحقيقها طيلة عمرى. ألا وهى النوم مبكراً.
شرعتُ أنظر إليه فى إكبار، وقد تذكرتُ أننى لم أعرف النوم السهل إلا فى طفولتى المبكرة. حينما كانت أمى تحملنى وأنا نصف نائم إلى السرير، فأتلذذ ببرودته التى سرعان ما تقتبس من وهج جسدى الدافئ. مضى ذلك العهد السعيد! ومنذ مراهقتى يهرب النوم منى كغانية لعوب. وعرفت الطريق إلى الصيدليات فى الواحدة صباحاً أبحث عن منوم، وهم يرمقون فى ارتياب شعرى المشعث، وكأننى جئتُ «أضرب» حقنة ماكس! وصرت أصدّر الأرق لكل من يقترب منى حتى صارت كتب أصدقائى تفوح برائحة المنوم.
قال فى بساطة: «لا داعى لكل هذا التفحص. أنا إنسان مثلك! صدقنى».
قلت فى إعجاب: «أنت تنام بسهولة أيها الملاك المُجنح، أليس كذلك؟». قال فى تواضع: «بلى. بمجرد أن أضع رأسى على الوسادة». قلت وقلبى يدق: «حدثنى عن نفسك. عن طفولتك. عن شبابك. عن النساء اللواتى وقعن فى غرامك». احمر وجهه من السرور، وقال فى ابتهاج واضح: «أوه. أرجوك لا تبالغ. أنا صحيح رائع كما تقول! ولكن لا داعى أن تخبرنى فى وجهى بذلك فإنه يخجلنى».
قلتُ فى تهيّب: «هل تسمح لى بإجراء حديث صحفى معك؟». قال فى عظمة: «لا مانع».
نظرت إليه فى فضول وسألته: «ما الذى تشعر به حين يقترب الليل، وتنحدر الشمس إلى الغروب، هل تنظر إلى انقضاء اليوم بتوجس! هل تشعر أن السرير ساحة معركة مقبلة؟ وأن غطاء كعدو وصديق! تدفعه وتجذبه، تطويه وتفرده!».
ضحك مقهقهاً، وقال فى سرور: «ما هذا الذى تقول؟ السرير بالنسبة لى نزهة فى حديقة. حينما يأتى الليل أتثاءب فأعلم أنه قد حان وقت النوم».
قلتُ فى انبهار: «يالك من إنسان رائع. يالك من ملاك فى صورة بشر! هكذا دون أى نوع من الطقوس؟». قال لى فى ارتياب: «ماذا تقصد بالطقوس؟». قلتُ فى خطورة: «تحتسى كوب نعناع ساخناً! تطالع كتاباً مملاً! تعد الخراف فى ذهنك!».
هز رأسه نافياً فى كبرياء، فأردفتُ: «هل تستخدم أى نوع من المهدئات! أقراص منومة؟!». نظر نحوى مصعوقاً، فقلت متراجعاً: «آآآ. أقصد كوباً من اللبن الدافئ». نظر نحوى فى استنكار كمن أهين بشكل لا يغتفر: «وأقوم لأغسل أسنانى بعدها! مستحيل! أكون وقتها فى سابع نومة».
قلتُ: «إذن حدثنى عما يحدث بالضبط». قال فى سرور: «لا شىء. كل ما أفعله حين يحين موعد نومى أننى أغسل أسنانى بالمعجون، وأذهب إلى السرير لأرقد». قلتُ مقاطعاً بصوت كالطبل: «وترقد؟!». قال فى تواضع: «نعم! كلهم يرقدون.هذا سهل جداً! ثم أضع رأسى على الوسادة، وأغلق جفنىَّ فأنام على الفور، ثم أستيقظ فأجدنى فى الصباح التالى».
قلتُ وأنا أنحنى على رأسه دون وعى: «الله أكبر. اسمح لى بأن أقبل هذا الرأس المبارك. ولكن اخبرنى.. متى تنام بالضبط؟!». قال وقد احمر وجهه: «آآآآ. لماذا تسأل؟ تقريباً فى الثالثة صباحاً».