لم يقنعنى الوزير وائل المعداوى بأنه لا يعرف خطورة تعيين ابن الرئيس.. لم يقنعنى بما قاله عن انتصار الثورة، لأن ابن الرئيس يتقدم لـ«وظيفة متواضعة».. لم يقنعنى بأن الإعلان كان داخلياً، وأن ابن الرئيس كان فى زيارة بالصدفة، فتقدم لشغل الوظيفة.. الحقيقة أن معالى الوزير أراد تقديم خدمة للرئيس شخصياً.. أراد أن يسعد الرئيس.. تعلل بأنه انبهر بمستوى «عمر» فى الكمبيوتر!
يبدو أن الوزير المعداوى سريع الانبهار، وبالتالى لم يسأل عن سنة التخرج.. لم يسأل عن الأوراق المطلوبة للتعيين.. لم يسأل عن أدائه الخدمة العسكرية.. المعلومات المتاحة أكدت أن عمر خريج عام 2012.. وهذا معناه أنه تخرج ووجد الوظيفة فى الطيران.. ومعناه أن الوظائف فى مصر متاحة.. آخر إحصاء يؤكد 13% بطالة.. المؤشر يرتفع.. لماذا لم ينبهر الوزير بمستوى حملة الدكتوراه؟!
ليس انتصاراً للثورة يا معالى الوزير أن يتقدم ابن الرئيس للعمل، فيحصل عليه فى ثوان معدودة.. الانتصار للثورة أن يتقدم ابن الرئيس وغيره، فينجح ابن الغفير، ويسقط ابن الرئيس.. الانتصار يكون للكفاءة، وليس لابن الرئيس.. الانتصار للثورة أن يتم تعيين ابن الرئيس فى دوره.. أن يتم تجنيده أولاً.. إلا إذا كانت الجنسية هى التى ميّزت ابن الرئيس، بينما جعلت مصير غيره الشارع!
أغرب ما سمعته، أن الوزير سأله: هل بابا موافق على الشغلانة دى؟.. قال عمر ببراءة: لم أرجع إليه.. أصدّق عمر أنه لم يرجع إليه.. أصدّق أنه لا يرجع إليه فى تويتات كثيرة.. أصدّق أنه لا يحتاج الرجوع إلى أبيه.. دائماً يتصرف باعتباره ابن الرئيس.. من قبل سبّ ضابط مرور، وقال له: شوف شغلك.. عمر يتصور أنه سيكون علاء وجمال.. ألا تعرف أين هما؟، ألا تعرف أين مبارك؟!
لماذا تستعجل مصير علاء وجمال؟.. لماذا تستعجل لأبيك مصير مبارك؟.. لماذا تستعجل الفساد فى الأرض؟.. لماذا تريد وظيفة جاهزة بعد التخرج بشهور؟.. هل تدرى أن آلاف الخريجين من حملة الماجستير والدكتوراه بلا عمل؟.. هل تابعت احتجاجهم على حكم أبيك؟.. هل تعرف قصة آلاف بلا عمل، يهاجرون فيموتون فى البحر غرقاً؟.. هل التعيين فى الطيران وظيفة متواضعة سيدى الوزير؟!
لا أصدق أن «الوظيفة المتواضعة» سوف تبدأ بـ900 جنيه، كما قال الوزير.. لا أصدق أن الراتب بالبدلات يصل إلى 1200 جنيه.. هل معقول أن ابن الرئيس، الذى اعتاد على رحلات طابا، ينتظر ألف جنيه، بعد شهر من الحضور والانصراف؟.. هل منطقى أنه يبحث عن وظيفة ليبنى بها مستقبله؟.. هل مطلوب منا أن نصدق الوزير بأنه لا يفهم فى السياسة؟.. هل الحكاية كلها صدفة؟!
فى وقت سابق، حكى لى أحد الوزراء أن شاباً تقدم لوظيفة، عائدها 150 جنيهاً فى الشهر.. مع أنه يحمل مؤهلاً عالياً، والوظيفة متواضعة للغاية.. قال الشاب للوزير: المهم أنها تساوى قيمة الخبز.. فى مصر ملايين مثل عمر تريد 150 جنيهاً شهرياً.. تريد أن تحصل على الخبز الحاف.. تريد أن تكون رقماً فى الحياة، حتى لا تنتحر.. هل تنبهر يا معالى الوزير؟.. أم أنك لا تعيش الواقع؟!
قد لا يكون الوزير سياسياً، وقد يعيش فى برج عاجى.. أظن أنه الآن عرف حجم الكارثة، عندما هاج الشارع، وعندما أحال النائب العام القضية لنيابة الأموال العامة، وعندما غضب حملة الدكتوراه.. بعضهم يعمل فى وظائف متواضعة بجد.. ربما ناموا على الرصيف، حتى يتم تعيينهم بقرار رئاسى!