كنت أجلس في حجرة مكتبي وكان التليفزيون في حجرة أخرى، لكن صوته كان مرتفعاً، وفجأة سمعت هتافات من نوع بالروح بالدم نفديك يا إسلام..الله مولانا ولا مولى لهم...الله غايتنا ولا غاية لهم....الشعب يريد تطبيق شرع الله.... دكتور مرسي دكتور مرسي الشريعة قبل الكرسي... الشعب يريد تطبيق شرع الله...عيش حرية شريعة إسلامية، فتركت مكتبي مهرولاً تجاه التليفزيون، وكان السؤال المُلح في ذهني: من هؤلاء الذين يُحاربون الإسلام في مصر، ومن هم الذين لا مولى ولا غاية لهم؟ وإذا كان هناك من يُريد تطبيق الشريعة، فهل في مصر من لا يريد تطبيقها؟ وكانت ابنتي تجلس أمام التليفزيون تُتابع الأحداث، ومنها بعض مشاهد اعتداءات وضرب عنيف، ولم أنتبه لوجودها إلا عندما بادرتني بسؤال: بابي هي مصر فيها كُفار؟ فاندهشت من السؤال وقلت: لماذا؟ قالت: لأن في الأفلام القديمة كان المسلمين بيعملوا كده لما الكُفار كانوا بيعذبوهم علشان مُسلمين، وإنت قلت لي إن مصر فيها مسلمين كتير ومسيحيين بس، لكن المسيحيين هما والمسلمين أصحاب، وحكيت لي عن أصحابك المسيحيين في المدرسة إللي كانوا بيصوموا معاك في رمضان، واسترسلت ابنتي في الحديث والأسئلة الطفولية التي لا تنتهي من نوعية يعني إيه شريعة؟ ومين إللي بيعذبوهم؟ والكُفار دخلوا مصر إمتى؟ وإيه علاقة الشريعة بالكرسي؟ والكرسي بتاع مين؟ وهكذا، وطبعاً كل هذه الأسئلة مستندة إلى معلومات سابقة من أفلام ومسلسلات عن الإسلام كانت تُشاركني مشاهدتها، وكعادتها كانت لا تكف عن الأسئلة، فكنت أحاول في إجاباتي أن أعرّفها بعض المعلومات التاريخية عن الإسلام، وحتى أعطي لنفسي فرصة أكبر للتفكير في إجابة مناسبة، قلت لها ممكن أجاوبك بعد ما أتابع الأخبار؟ وجلست تنتظر، وأنا أدعو الله أن تنسى ولا تسألني ثانية، وبدأت أفكر ماذا أقول لها؟ أقول إن مصر بقى فيها كُفار زي الأفلام القديمة، أم أقول إن هؤلاء مسلمون ومسيحيون، لكن ماذا عن صديقي المسيحي الذي كان يصوم معي، وكنت أقف بجانبه في الكنيسة يوم عُرس شقيقته، وجورج الذي أهداني مصحفاً بعد عودتي من الحج، فماذا أقول لها؟ فلابد من وجود فريق آخر في المواجهة، فكيف أقنعها أن هؤلاء مسلمون، وهؤلاء مسلمون؟ فكيف أقنعها أن هؤلاء يُجاهدون في بلاد الإسلام؟ فكيف أقنعها أن هؤلاء يُجاهدون في مصر التي بنى فيها عمرو بن العاص أول مسجد في الفسطاط بعد الفتوحات الإسلامية عام 21 هجرية، أي منذ أكثر من 1400 سنة؟
وكان بنيامين، بطريرك الكنيسة القبطية، قد فرَّ من بطش الروم لاختلافهم مع مذهبه، واضطهادهم له ولسائر المسيحيين، فأرسل له عمرو بن العاص، رضي الله عنه، ودعاه للعودة، فعاد إلى كرسيه في الإسكندرية، ومنحه الحرية الكاملة لبناء الكنائس التي خرَّبها الفرس أثناء احتلالهم لمصر.
ويتأزم الموقف أكثر ويأتي وائل الإبراشي والشيخ مرجان سالم الجوهري، القيادي بالدعوة السلفية، الذي يدعو لتحطيم الأهرامات وأبو الهول؟
فتنظر لي ابنتي ولا تتحمل الانتظار وتسألني: هو إحنا كُفار يا بابي؟ لأ يا حبيبتي؟ لكن إحنا زرنا الأهرام وأبو الهول، وهو بيقول إنهم أصنام زي الأفلام القديمة إللي كان بيكسرها المسلمين، وإنت قلت لي إنهم بيكسروها علشان الكُفار كانوا بيعبدوها وبيصلوا لها وما بيصلوش لربنا، وده حرام، لكن يا بابي الراجل ده ليه شكله يخوّف ومش طيب زي المسلمين إللي في الأفلام القديمة إللي كان شكلهم طيب، بس أنا زعلانة يا بابي إن أبو الهول والأهرام طلعت أصنام من بتاعة الكُفار.
وظلت ابنتي تتحدث وأنا أبحث عن مخرج من هذا المأزق الذي يزداد تأزماً، هل أقول لها إن هذا الرجل مسلم ووائل الإبراشي ومن معه كُفار، لكن هي شايفاه مش طيب وشكله وحش، كيف أقول لها عكس ما تشعر به؟ وإذا قلت لها إن كلهم مسلمون، فلماذا يتشاجرون وهذا يريد تكسير أبو الهول والأهرام لأنها أصنام، وهذا يدافع، فلابد أن يكون كل منهما في فريق مختلف حتى أقنعها بتلك الكارثة، وكيف أقنعها أن الشيخ مرجان مسلم وهي خايفة منه وشايفاه مش طيب مش شكل المسلمين في الأفلام القديمة، وإن أقنعتها أنه مسلم لكنه نسي يغسل وشه الصبح، وشارب ميه بايته، كيف أقنعها أن الأهرام وأبو الهول ليست أصناماً.
وفي الوقت الذي أدَّعي فيه أنني أشاهد بكامل تركيزي البرنامج وأنا في حقيقة الأمر أفكر في إجابات، سألتني: بابي، إنت قلت لي إن عمرو بن العاص، رضي الله عنه، هو إللي عرّف المصريين على الإسلام، ليه ما كسرش أبو الهول والأهرام، وفي نفس اللحظة يسأل أحد ضيوف وائل الإبراشي نفس السؤال للشيخ مرجان، كما يُسمي نفسه، فلا يُجيب ويدعي أن هذا خروج على الموضوع الأساسي، وكأنه فقط يحفظ ما يقول دون فهم، ويسترسل حتى يقول إن هناك في مصر من يعبدون أبو الهول والأهرام، فتتدخل ابنتي في الحوار، وكأنها كانت تبحث عما يجعلها لا تصدق أن أبو الهول والأهرام أصنام، وفجأة قالت لي: بابي، الراجل ده بيكدب واللهي بيكدب يا بابي، وأخذت تُكررها، لأنها لا تُحب الكذب على الإطلاق، واسترسلت وقالت: بيكدب لأنه بيقول إن فيه ناس بتعبد أبو الهول يعني بيصلوا، وإحنا لما زرنا الأهرام وأبو الهول ما شفناش حد بيصلي لأبو الهول، بس كانوا بيتصوروا معاه علشان بيحبوه، مش قلت لك يا بابي الراجل ده شكله مش طيب زي المسلمين إللي في الأفلام القديمة، وفجأة وجدت المَخرَج، وقلت لها فعلاً يا حبيبتي كلهم مسلمين، لكن فيه مسلمين طيبين ومسلمين مش طيبين، علشان كده إحنا لازم نفكر في كل حاجة نسمعها قبل ما نصدقها، لأن فيه ناس مش فاهمين الإسلام صح، ودول زي الراجل ده شكلهم وحش وشكلهم مش طيبين، يعني يا بابي الجنة حيكون فيها المسلمين الطيبين بس؟ أيوه، الحمد لله، لأن الجنة لو كان فيها مسلمين مش طيبين زي الراجل ده أنا كنت أخاف أدخلها.
كلمة أخيرة:
قال تعالى «يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُواْ مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلاَلاً طَيِّباً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ (168) إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاء وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ (169)» سورة البقرة.
محمد منير