مَن الذى وضع نقابًا على وجه أم كلثوم فى المنصورة؟ إنهم الثوار الذين أرادوا السخرية من نظام الحكم الذى يتدثّر بالإسلام ويعتبره مجرد نقاب وجلباب ولحية.
عدد من الزملاء، وبينهم الفنان الكبير حلمى التونى، أشار إلى أن مَن قام بذلك هم الذين يكفرون بالفن والغناء والثقافة، رغم أن هؤلاء من المؤكد لن يكتفوا بتغطية وجهها بل سيقطعون رأسها، لأنهم ببساطة يكفرون النحت كما فعلها المتزمتون فى سوريا عندما قطعوا رأس تمثال الشاعر أبو العلاء المعرى، وللتذكرة فقط، الشيخ علِى جمعة مفتى الديار المصرية السابق، الذى يصفه البعض بالمستنير، كان يحرّم أيضًا النحت، ولكن هذه بالطبع قصة أخرى.
كانت سيدة الغناء العربى أم كلثوم سريعة البديهة لا تترك أمرًا يستحق السخرية يمر دون أن تدلى بدلوها، ولها الكثير من القفشات التى يتم تداولها حتى الآن، فقرّر أحفادها فى مدينة المنصورة أن يستخدموا سلاح أم كلثوم الساحر الساخر فى مواجهة قوى الظلام.
أم كلثوم حافظة القرآن والتواشيح الدينية، كانت هدفًا لهؤلاء، ونالها منهم الكثير، وتسجيلات الشيخ كشك التى كان يتهكّم فيها عليها لا تزال متوفّرة فى الأسواق.
نعم، أم كلثوم كانت لوحة التنشين ولا تزال، كما أن الإبداع بكل أطيافه واقع تحت نيران تلك القوى، وسوف تثبت الأيام أن وزير الثقافة الحالى هو الاختيار المناسب للحكومة الإخوانية، لتنفيذ أجندة تنقيب الفن، صحيح أن الرقابة على المصنفات الفنية على سبيل المثال لم تتغيّر فى أسلوب تعاطيها مع الأفلام السينمائية قبل وبعد تمكين الإخوان، ولا تزال تسمح بالعرض فى الحدود المتعارف عليها قبل الثورة، ولكن كل ذلك يبدو أنه إلى حين.
لو ألقينا نظرة مثلًا لتظاهرة مهرجان القاهرة السينمائى الدولى التى أُقيمت فى شهر نوفمبر الماضى، كان شرط الموافقة يقضى بأن يتم حصار المهرجان داخل أسوار دار الأوبرا، مما يمنحه قدرًا من الخصوصية بعيدًا عن الجمهور، ورغم أن هذا الإجراء يتناقض مع معنى وهدف المهرجانات فى كل الدنيا والتى ينبغى أن تفتح أبوابها للناس، ولكنها تعليمات الإخوان، من الممكن أن نلاحظ مثلًا أن عرضًا مسرحيًّا تابعًا للدولة وهو «الأبرياء» قررت وزارة الثقافة قبل أيام إيقافه بحجة الميزانية رغم أن السبب الحقيقى هو أن أبطال المسرحية فى المشهد الأخير يهتفون بسقوط المرشد.
المعركة بين الإخوان والثقافة والفن لم تشتعل فعليًّا بعد، ولكنى أرى إرهاصاتها فى الكثير من المشاهد، وهى فى الحقيقة بدأت فضائيًّا من خلال برامج التوك شو، وسوف تفرض نفسها بعد ذلك على الساحة الغنائية والفنية والثقافية.. شركات إنتاج ذات توجه دينى ستضع شروطها الرجعية، ستبدأ نشاطها الفعلى فى الأشهر القادمة.. ولا أستبعد أن تلك الشركات ستجد عشرات من الفنانين يتعاقدون معها، ما دام أن هناك مَن يدفع.. ويبقى فى المعادلة الجمهور.. الشعوب هى التى تحدِّد الفن الذى تريده، وهم القادرون على الإجابة عن هذا السؤال: هل يريدون أم كلثوم بنقاب أم سينزعونه عنها؟!
جاءنى هذا التعليق من الدكتورة نهاد أبو القمصان، ردًّا على مقالى عن وزير الثقافة، واستأذنتها فى النشر، فقالت لى إنها يهمها أن يقرأ الجميع هذا الرأى، ليعرفوا مَن هو الوزير الذى يدافع عنه البعض.
أريد أن أحييك على مقال «التحرير» عن وزير الثقافة، لأننا بحق فى حاجة إلى التذكير، لا سيما أن آفة هذا البلد مع الأسف فى بعض مثقفيها، أنا لم أكن أعرف هذا الشخص، ولكنى شاهدته قبل بضعة أشهر بينما الدكتورة مرفت التلاوى رئيسة المركز القومى لحقوق الإنسان، تعنّفه على الملأ وهو يقف مطأطأ الرأس وكأنه طفل بليد يعترف بذنبه منتظرًا العقاب وبلع تلك الإهانة على أمل أن تتوسط لدى د.كمال الجنزورى، ليأتى به وزيرًا، شعرت بالعار فى اختيار هؤلاء الذين تحوّلوا إلى جنود فى حكومة الإخوان، فهذه هى مع الأسف المعايير التى تريدها دولة المرشد.. لم أسأل الدكتورة نهاد عن نوع التعنيف الذى لا يتقبّله حتى الأطفال، ولكنى بعد تراجع عرب عن الاستقالة من حكومة الإخوان بل ونفيه أنه استقال لأسباب وطنية فمن الممكن ببساطة أن تتخيل صابر عرب فى سبيل بقائه على الكرسى أن يقبل كل شىء ولو أدَّى الأمر، وعلى رأى أم كلثوم، إلى أن «يبوس القدم ويبدى الندم على غلطته فى حق الغنم»!!