انتشر فى الأسابيع الأخيرة بداخل بعض الحركات والأحزاب الإسلامية ومن يؤيدونها شعار أخذ صوراً مختلفة، وهو يصب فى النهاية فى مطالبة الرئيس محمد مرسى بالضرب بيد من حديد واتخاذ كل الإجراءات القاسية تجاه معارضيه من مختلف التيارات السياسية والاجتماعية. وظهر هذا الشعار- والمعنى- واضحاً بالأمس فى التجمع الذى دعت إليه الجماعة الإسلامية وحزبها البناء والتنمية أمام جامعة القاهرة، سواء فى صورة اللافتات المرفوعة أو فى كلمات الخطباء الذين تعاقبوا على المنصة.
ولعل المفارقة الإيجابية فى هذا التجمع الذى دعت إليه الجماعة الإسلامية، التى كانت تعد أكبر جماعات العنف وأكثرها ممارسة له فى التاريخ المصرى الحديث، هو أنها هى التى تدعو الآن أنصارها للتظاهر سلمياً تحت شعار «لا للعنف». فبعد نحو عقدين من الممارسة المتواصلة للعنف منذ نهاية سبعينيات القرن الماضى وسقوط مئات القتلى من جرائه، سواء من المسؤولين أو رجال الشرطة أو السائحين أو عموم المصريين أو سواء من أعضاء الجماعة الذين اعتقل منهم الآلاف لسنوات طويلة وأعدم عشرات- أوقفت الجماعة عنفها بمراجعاتها التى بدأت بمبادرتها لوقف العنف عام 1997. وها هى الجماعة اليوم وبعد انخراطها فى العمل السياسى، عبر حزبها البناء والتنمية، الذى شكلته بعد ثورة يناير ودخول بعض أعضائها مجلسى البرلمان بعد أن كانت تحرم المجالس التشريعية خصوصاً والديمقراطية عموماً، تدعو لوقفة ضد العنف تدعو إليها مختلف القوى الإسلامية ومؤيدو الرئيس مرسى.
ولاشك أن هذا المعنى يعد إيجابياً ومؤكداً لتراجع الجماعة فكراً وممارسة عن طريق العنف الدينى الذى سارت عليه سنوات طويلة، وبنفس القيادة والعضوية التى تدعو اليوم لعدم ممارسته. إلا أن تفاصيل الوقفة وما جاء فيها من شعارات وكلمات وما سبقها من بعض المواقف والتصريحات لبعض قيادات الجماعة، تشير إلى وجود سلبيتين خطيرتين فى صلة الجماعة بالعنف. السلبية الأولى تتعلق ببعض أفكار وتصريحات عدد من قياداتها التاريخية- ليس منهم الدكتور ناجح إبراهيم والمهندس كرم زهدى- التى تحمل شدة وغلظة فى الهجوم على مخالفيهم فى الرأى والموقف، وقد يشتم من بعضها تحريض أو تبرير لممارسة صور من العنف تجاههم يمكن أن يقوم به بعض المتحمسين والدائرين فى فلك الجماعة. وسواء كان هذا الأمر مقصوداً أو صدر نتيجة الحماس الزائد فى مواجهة الإعلام أو الجماهير الغفيرة، فلاشك أنه يحتاج لمراجعة جديدة وتخل واضح عن العنف من تلك القيادات التى استطاعت قبل خمسة عشر عاماً أن تراجع أفكارها القديمة العنيفة وتخرج من أسرها الضيق إلى أفق السياسة الأوسع.
أما السلبية الثانية فهى ترتبط بما ذكرناه فى مقدمة هذه السطور، من دعوة الرئيس مرسى لاستخدام القوة فى مواجهة معارضيه، وهى مسألة شديدة الخطورة والخطأ فى نفس الوقت. فأما الخطورة فهى تبدو بديهية، فليس من حق الرئيس ولا غيره من المسؤولين فى الدولة أو القوى السياسية أن يستخدم فى مواجهة معارضيه سوى ما يبيحه له القانون بكل ما فيه من ضوابط وإجراءات مستقرة، وبغير هذا لن تكون تلك الدعوة سوى تحريض على الاستبداد وإهدار الحقوق الطبيعية للمصريين، ولن تؤدى سوى إلى إهدار وتدمير دولة القانون والديمقراطية الناشئة. وأما الخطأ فى الدعوة، فهو أيضاً بديهى، فالرئيس مرسى وحكمه لم يبنوا بعد أى شرعية شعبية يمكن أن يستند إليها فى استخدام القوة ضد معارضيه، بل على العكس مازال معظم المصريين يشعرون بأن أوضاعهم تزداد تدهوراً فى ظل الحكم الحالى، وهو ما يحرمه من مساندتهم له فى الإجراءات القاسية التى يدعوه بعض أنصاره لاستخدامها ضد المعارضة. وهذا معناه أن يقوم الرئيس بهذه الإجراءات بعد امتلاكه الشعبية، ولكن هكذا كان يفعل المستبدون عبر العالم، بأن يقدموا لشعوبهم بيد مقومات الحياة الكريمة ويأخذوا منهم باليد الأخرى حرياتهم الأساسية فى الرأى والتعبير والاحتجاج. ودائماً كانت النهاية هى نفسها: تثور الشعوب على مستبديها وتسقط حكمهم لتبنى من جديد بلادها على عمودى العدالة الاجتماعية والحرية. فهل يعرف دعاة استخدام الرئيس للقوة هذه النتيجة؟!