ماذا أصاب أداء «الداخلية»؟! لقد حلت بالجهاز الأمنى انتكاسة وسكتة قاتلة، منحت «دولة الجريمة» مساحة، مكنتها من تجاوز كل الخطوط الحمراء، تنفذ جرائمها فى وضح النهار، وقبل أن تغادر إلى أوكارها تمرغ رأس «الشرطة» فى التراب، وتترك «علامة» على جسدها.
لست مهتماً - هنا - بالحديث عما يدور فى الفعاليات السياسية، ولا بما يتعلق بقتل النشطاء، إنما أعنى - بكل دقة - ما يسمونه «الأمن العام»، أمن المواطن الذى يريد أن ينام دون أن يكون مرغماً على ترك إحدى عينيه مفتوحة، ويأمل فى أن يذهب إلى عمله دون أن يقطع عليه الطرق «هجام»، ويحلم بأن يسافر مطمئناً فى رحلته، مرتاح القلب على بيته.
والذى يراجع ما وقع فى أيدى وسائل الإعلام من جرائم عنيفة وطرحته، سيرى بكل وضوح - حتى لو كان فاقداً البصر - أنه لم يعد أحد بعيداً عن أيدى «العصابات المسلحة»، وأن «السطو» طال مواكب الكبار وسُرقت سياراتهم، وأن فى ذلك إشارة بـ«الوسطى» لمن يتحدثون عن إنجازات أمنية.
وأسباب ما صار إليه «الأمن» وما صرنا عليه مردودة إلى أسباب عديدة، أولها هذا الهدم الممنهج الذى تعرضت له «المؤسسة الأمنية»، وتخلى الكثير عنها مع كل محاولة لإعادة البناء، وتعمد مناصبتها العداء - بمناسبة وبدون - مع كل خطوة للتعافى، ومن الأسباب الأكثر أهمية: التخبط والعناد فى إدارة هذه المؤسسة، والإصرار على الاستمرار فى فرض منظومة «إما أنا سيدكم أو اضربوا رؤوسكم فى الحائط».
ولا ينكر أحد أن الشارع كان قد بدأ يشم رائحة «الأمان» فى مرحلة الوزير «أحمد جمال الدين»، لكن الحسابات السياسية - وحدها - أطاحت به، على حساب الرسالة الأمنية، وظلموا الوزير الحالى، حين ألقوا على رأسه المهمة الصعبة، وأغرقوه وكل الجهاز فى مهمة «قمع» خصوم النظام، أو حصارهم بعد فشل احتوائهم.. ويكذب من من يدعى أن «الأمن» على الحياد أو أنه مشغول - فى المقام الأول - بحفظ أمن المواطن.
ومع انزلاق «الشرطة» فى المتاهة السياسية، فشلت فى إنجاز ما هو مطلوب منها، على المستويين «الشعبى والسياسى»، وصارت هذه المؤسسة كمن «ترقص على السلم» وببدلة رقص ترتدى منها النصف العلوى فقط.
والحل فى «البتر» لأن المسكنات لم تعد تجدى، وتغيير الوزير محمد إبراهيم أو رحيله من تلقاء نفسه أصبح ضرورة ملحة، ليس لعيب فى شخص هذا الرجل.. فكم تمنيت له النجاح وكتبت ذلك فى هذه المساحة يوم أن تولى الوزارة لكنه لم يستطع سد فراغ كبير تركه «جمال الدين».
و«البتر» لايكون للرأس فقط، لكنه لابد أن يطال كثيرين يحترفون الرقص «على كل نقرة» فى ديوان الوزارة وفى كثير من مفاصلها المهمة، فقد أطاحوا بكل الوزراء الذين جاءوا بعد الثورة، واحتفظوا هم بأماكنهم، فإن لم نكن نملك القدرة على إجراء هذه الجراحة فى «الداخلية» فأرسلوا وفدا رفيع المستوى إلى «طرة»، يقبل رأس وأقدام «حبيب العادلى» وأعيدوه إلى مقعد «الوزير» فى زفة بالطبل البلدى.
ولست مدافعاً عن أشخاص ولا معادياً لغيرهم، لكن أرى واحدة من أهم الوزارات - فى كل بلدان العالم - تعانى احتقاناً فى معظم قطاعاتها، يهدد عصبها - الأفراد والأمناء - بتصعيد غضبهم إلى مرحلة التخلى عن مهامهم، والتفرغ لحصار الوزارة.. أرى جرائم عنيفة، بحجم السطو على محافظ وسرقة سيارته!.. مهاجمة شركة، فى وضح النهار، تتبع واحدا من أدق أجهزة الدولة!.. أرى طلقات الرصاص تنهمر - على عينك يا تاجر - لسرقة محطة وقود على بعد عشرات الأمتار من مسكن رئيس الدولة.. وسيارة شرطة يستولى اللصوص على ما بها من رواتب!.. أرى سيارة محافظ البنك المركزى يتم خطفها وقتل حارسه أمام الجميع!!.. ترى ماذا يرى المواطن البسيط؟! أكيد «يرى النجوم فى عز الظهر».