مرة أخرى، تعالوا نتخيّل أن الشرطة قد صمدت، خلال يناير ألفين وحداشر، وأنها قد نجحت فى تجاوز الأمر، ولم يسقط النظام السابق.. لو كان هذا ما حدث، لكنا رأينا الرئيس السابق، وهو يكرِّم رجال الشرطة، ويشكرهم على جهودهم، وعلى حمايتهم الوطن وأمنه، ويوزِّع عليهم المكافآت، تقديرًا لجهودهم! وكان الإعلام عندئذ سينتقد الرئيس، ويهاجمه، ويهاجم الشرطة وتجاوزاتها.. وكانت جماعة الإخوان المسلمين ستهلِّل للإعلام الحر، الذى يقف فى وجه الفساد والتجاوزات، وستعتبر رجاله أحرارًا، لا يرضون بالظلم والتجاوز.. ولكن هذا لم يحدث، والنظام سقط، وجاء نظام جديد، إخوانى النزعة، استبدادى التفكير، يتعلَّق طوال الوقت بالمنطوق دون المضمون.. فالاستبداد عنده ثورية، والإجراءات الاستثنائية حماية للثورة، والشرعية هى أن يهيمنوا على الدولة، ما دام الرئيس منتخبًا، وليست أن يحكموا وفقًا للقانون والدستور! وكل شىء صار أسوأ ألف مرة مما كان عليه فى أيام حكم النظام السابق، والموقف الواحد، الذى وصفوه قبل الثورة بالبطولة، لأنه كان موجَّهًا ضد النظام السابق، اعتبروه اليوم خيانة، لأنه موجَّه ضد نظام حكمهم، وما وصفوه بأنه فساد وتجاوزات، فى عهد حكم النظام السابق، صار فكرًا ثوريًّا للنهوض بالوطن، فى ظل حكمهم هم! هل من مهزلة تفوق هذا؟! القضاة عندما خرجوا منذ سنوات، ليقفوا فى وجه النظام السابق، من أجل سيادة القانون والعدالة، كانوا أبطالًا، ورأت فيهم جماعة الإخوان المسلمين الأمل الكبير، والسمو المهنى، الذى يتصدَّى لكل مَن خالف القانون.. ونفس القضاة، عندما خرجوا فى عهدهم، ليقفوا فى وجه النظام، من أجل سيادة القانون والعدالة، صاروا يصفونهم بالخونة، ورأوا فيهم المعارضة التى ينبغى قصفها، ما دامت تقف فى وجه تطلعاتهم وتجاوزاتهم.. ونفس الإعلاميين، الذين كانوا أبطالًا، حينما كانوا يهاجمون وينتقدون النظام السابق، ويدافعون عن الإخوان، فى عز أيام قهرهم، صاروا بقدرة قادر كهنة فرعون، وأتباع مسيلمة الكذّاب، عندما انتقدوا جماعة الإخوان، فى عز ظلمها للوطن! وحتى المفكرين الذين ساندوا مرسى إبان انتخابه، والذين تباهت الجماعة بمساندتهم له، ووصفتهم بالشرفاء، ما أن بدؤوا ينتقدونهم، حتى صاروا ضحية للهجوم الشرس عليهم، والسخرية الوحشية منهم! وفجأة بدؤوا يجمعون كل ما يسىء إليهم، وكأنهم لم يكونوا يعلمونه، عندما كانوا يؤيدونهم.. ويا لها من مهزلة.. ولكن العيب ليس فيهم، فمَن عاون ظالمًا، سلّطه الله سبحانه وتعالى عليه.. وحتى ما رفضه النظام السابق، لتعارضه مع أمن الوطن، وما كانوا سيصفونه بالخيانة العظمى، لو أنه وافق عليه، وافقوا هم عليه فى لهفة، وثاروا عندما وصف الإعلام هذا بالخيانة، دون حتى أن يضيف كلمة «العظمى».. وسلوا إسرائيل حبيبتهم، وأمريكا راعيتهم، إن كنتم لا تصدّقون! المشكلة أن جماعة الإخوان المسلمين، وفقًا لعددها وتعدادها، هى سمكة صغيرة فى بحر حوت الوطن، والمهزلة كل المهزلة، أن تتصوّر السمكة أنها قادرة على ابتلاع الحوت، وهضمه، وتحويله إلى أسماك صغيرة، يسهل افتراسها! ولكن ما لا تدركه السمكة هو أنها أصغر مما تتصوّر.. وأن الحوت أكبر مما تتصوّر.. وأنه ليس حوتًا مسالمًا مستسلمًا كما يتصوّرون، بل هو مزيج من الحوت الأزرق فى ضخامته، والحوت القاتل فى شراسته.. ويومًا ما «ليس بالبعيد»، ستدرك الجماعة أنها فى النهاية لن تربح اللعبة بالخداع والمكر، فهم يمكرون، ويمكر الله المنتقم الجبار المعزّ المذلّ بهم، وهو خير الماكرين.. أما لو تصوّروا عكس هذا، فستكون هذه بالفعل.. مهزلة.
المهزلة.. «2»
مقالات -
نشر:
15/2/2013 3:20 ص
–
تحديث
15/2/2013 9:48 ص