انسَ عشوائية وارتجال خطب محمد مرسى..
نحن سنتحدث عن خطاب للرئيس الأمريكى الآن، وليس أى خطاب بل خطاب الاتحاد، وهو الخطاب الذى يقدم فيه الرئيس الأمريكى أجندة عمله وخطوط سياسته للشعب الأمريكى فى المناسبات الأهم، خصوصا عقب انتخابه وكذلك فى المواقف الحرجة والمفصلية فى حياة بلده، إذن هو خطاب مكتوب بتنبه شديد وبدقة فى كل حرف وتدقيق فى كل معنى ومكتوب من فِرَق مساعدى أوباما بمعلومات من جميع الجهات الرسمية، وتأتى صياغته بعد مناقشة جماعية بين رجال الرئيس فى البيت الأبيض والوزارات المعنية، ويضع الرئيس بصماته على الخطاب بإضافة أو حذف ومناقشة دلالات وأثر كل كلمة أو جملة وصنع التباس مقصود فى بعض المعانى أو فك التباس عفوى فى بعض المعانى الأخرى، فالالتباس والغموض يكون مهمًّا ومطلوبا فى موضع ومكروهًا وخطيرًا فى موضع آخر.
إذن خَطب أوباما أول من أمس خطاب الاتحاد، فماذا قال عن مصر؟
دعنا نقُل أولا إن المواطن الأمريكى ربما حتى لم يأخذ باله من ذِكْر كلمة مصر فى الخطاب، ولكن المستهدف هنا هو المهتمون بالشأن الخارجى وصناعة قراره فى أمريكا فضلا عن أصحاب الشأن فى مصر والشرق الأوسط.
ونؤكد ثانيًا أن أمريكا خفضت جدًّا من درجة اهتمامها بالشرق الأوسط، وسيضعف أكثر خلال فترة أوباما وما بعدها، لسبب شديد الأهمية والوضوح، أن أمريكا فى سبيلها إلى الاستغناء نهائيا عن بترول العرب، فحجم اكتشافات النفط الأمريكى هائل والاكتفاء الذاتى الأمريكى من الغاز والنفط أوشك على التحقق، ومن ثم فإن هذا الوضع العربى لن يشغل بال أمريكا كثيرا ولن يوجعها أكثر إلا فى حدود مواجهة الإرهاب المتمدد من أفغانستان حتى مالى.
إذن ماذا قال أوباما عن مصر؟
قال المتوقَّع والطبيعى: «فى الشرق الأوسط سنقف مع المواطنين حينما يطالبون بحقوقهم الإنسانية، وسندعم انتقالا مستقرا إلى الديمقراطية.. نحن نعرف أن العملية ستتصف بالفوضى، ونحن لا يمكننا أن نفترض أن بمقدورنا أن نفرض مسارًا للتغيير على دول مثل مصر، ولكن ما نستطيعه -وهو ما سنقوم به- هو الإصرار على احترام الحقوق الأساسية لكل الناس».
حينما تحدث الرئيس الأمريكى عن الفوضى فى العملية الانتقالية فى دول الشرق الأوسط لم يتحدث إلا عن مصر، لم يتكلم عن تونس ولا عن ليبيا مثلا، بل خصّ مصر بالسياق الفوضوى، ربما لأنه لم يكن يتوقع فى حلفائه الإخوان أنهم على هذه الدرجة من الحماقة السياسية وسيفككون ويقسّمون البلد، ثم كأنه يعتذر عن ثقته بجماعة لم تكن على قدر توقعات مخابراته وخارجيته فى قدرتها على ضمان الاستقرار فى مصر والالتزام بعدم الاستحواذ الفجّ على السلطة، ثم إن الإشارة إلى عدم قدرة أمريكا على فرض مسار التغيير فى مصر إنما هى إشارة ثلاثية الاتجاه، فهى تخبر الإخوان أننا لن نتدخل لدعمكم ولا لمواجهتكم، وتشير للمعارضة أننا لن نضغط على الإخوان ولن نحرِّض ضدكم، وتقول للجيش خُذْ قرارك بنفسك فلا دخل لنا ولن نفرض عليك ثباتًا أو تحرُّكًا. المجمل للرسالة الثلاثية أن «اتصرفوا مع بعض، لا شىء يهمنا إلا حقوق الإنسان»، والمؤكد أن الطرف الوحيد الذى ينتهك حقوق الإنسان بمنتهى السفالة السياسية هو جماعة الحكم فى مصر، وهو الخط الأحمر الوحيد الذى يضعه خطاب أوباما للمثلث المصرى، خصوصا أن الكونجرس والإعلام وجماعات حقوق الإنسان هناك لن يتحملوا سحل مواطن آخر أمام قصر مرسى ولن يسكتوا عن قِرََدَته وخنازيره مرة أخرى!
أوباما أمام العالم كله يقول للإخوان: «لا تنتظروا أن نصمِّم على صفقتنا معكم ولا نفضَّها، شوفوا إنتو عايزين تعملوا إيه واحنا نشوف بعدها»، ويخبر أوباما المعارضة: «ولا أعرفكم، اتصرفوا لوحدكم، فلا دخل لى بكم ولن أضغط من أجل مطالبكم إطلاقا، ولن أخسر مرسى من أجلكم، سأتعامل مع المنتصر»، ويخاطب أوباما الفريق أول عبد الفتاح السيسى وجيشه: «شوفوا اللى يريَّحكم إيه واعملوه، أنا مش عايز وَشّ»!