ما جرى بين البلتاجى ونادر بكار من حوار يستدعى التوقف أمامه ملياً، وليس فقط التعليق بأنه «إذا ما اختلف اللصوص بانت الحقيقة» أو أن «اختلافهم رحمة» كما علق البعض على فيس بوك.. إن الواقعة تكشف أكثر من هذا بكثير، بل إنها بالنسبة لى صادمة، وغير مطمئنة على الإطلاق، فقول البلتاجى تعليقاً على موقف حزب النور وانتقاده الإخوان بتهديده لهم بأنهم، أى الإخوان، يستطيعون أن يعيدوهم، أى السلفيين، إلى السجون هو تهديد لا يكشف فقط عن عقلية من يحكمون، بل يكشف أيضا عما يمكن أن يصلوا إليه ضد كل من يعارضهم حتى لو كانوا حلفاء الأمس.. الأسوأ أن مثل هذا التهديد لا ينسحب على البلتاجى فى حد ذاته، ولا حتى جماعة الإخوان المسلمين، ولا حزبها السياسى، بل ينسحب بالضرورة على الرئيس أولا وقبل أى أحد آخر، فالجماعة والرئيس والحزب فى نظر الناس فى الشارع قبل المعارضة السياسية واحد.. لذا فعندما يهدد البلتاجى فإن الرئيس هو الذى يهدد، فهم لم يعودوا يتحدثون عن استقلالية الرئيس عن الجماعة، لأنهم يتولون جميعاً دفة القيادة من القرارات إلى التصريحات، وحتى التهديدات.
لا أدافع عن المعارضة، ومستعدة تماماً لانتقادها، لكننى بأى حال من الأحوال لا يمكن أن أحملها المسؤولية تماماً كمن يمسك بدفة البلاد ليديرها نحو المستنقع، خاصة مع إصرار من يدير على أن يديرها وحده، ويقصى كل الآخرين، لذا لا أستوعب النغمة، التى تتردد الآن محملة المسؤولية للطرفين، فالمسؤولية بقدر المكانة والدور، ومن يحكم ليس كمن يعارض، لأن من يحكم يملك الفعل، ومن يعارض لا يملك سوى رد الفعل فى كثير من الأحيان.
لن أردد ما يعرفه الجميع عمن بدأ العنف، ومن أطاح بالقضاء، وحاصره ومن أرهب الإعلام، لكننى سأتساءل هل تصريحات وزير العدل أحمد مكى فيما يخص قتل الشهيد محمد الجندى وما تلاه من أقوال الشاهد الذى رأى تعذيبه بعينه، وما أعلنه من تعذيب الإخوان له فى معسكرات الأمن المركزى، وهو ما كشفته النيابة بعدها بساعات قليلة عندما فاجأت معسكرات الأمن المركزى لتكشف قوائم بأسماء المتظاهرين، وهو ما نفته النيابة العامة فى مؤتمرها الصحفى، الذى أكدت خلاله أن الرئيس مرسى ليس مسؤولا عمن قتلوا أو عن قتلهم.. هل كل هذا يفعل شيئاً سوى الإطاحة بالثقة ليس فى الحكم ذاته، بل فى النائب العام، الذى أتى به ووزير داخليته ووزارته أيضا؟ كل ذلك لا يستدعى سوى كلمات طالما رددناها من قبل «الدفاتر دفاترنا والورق ورقنا»، لكن تظل الحقيقة ليست ملكاً لهم، بل كلما فتحوا أفواههم أكدوا تورطهم.. هل هناك من لا يزال يتساءل من الذى يقتل ويسحل ويعذب؟
بل هل هناك من لا يزال يتساءل من الذى يقوم بالتحرش الممنهج فى ميدان التحرير ليس فقط بعد الشهادات التى أوضحت قيام فرق ممنهجة بارتكابه، بل بعد أن خرج علينا أعضاء بلجنة حقوق الإنسان بمجلس الشورى ليحملوا المشاركات فى المظاهرات المسؤولية، لأنهن شاركن فادعى نائب مدير الأمن العام أن السبب ملابسهن، بينما طالب النائب رضا الحفناوى المرأة بألا تقف وسط الرجال، ووجه اللواء عادل عفيفى الاتهام للمرأة بأنها السبب لأنها وضعت نفسها فى هذه الظروف، واصفاً ما يحدث فى الميدان بالدعارة.. هل نتساءل بعد ذلك من الذى يرسل جماعات المتحرشين أم أن الهدف واضح، وهو ترويع المرأة لكى تكف عن المشاركة؟
من يهدد بأن يعيد البعض إلى السجون يعلن نيته، ومن يسحل ويقتل ويعذب ويتحرش بالأسلحة بالنساء، ثم ينكر بكل أجهزته يعلن هوية هذا النظام، والمسؤولية تقع عليه أولا، وقبل أى أحد آخر، فلا تدعوا الموضوعية، وقولوا كلمة حق سوف تسألون عنها يوم أن يكون قضاؤهم على هذا البلد بدعوى تمكينهم.