قبل نحو 30 عاما احتدم الصراع بين أشهر نجمتين على الساحة فى تلك السنوات نادية الجندى ونبيلة عبيد، كان لكل منهما شباك تذاكر وجمهور يحرص على أن يقف فى الطابور ليقطع التذكرة من أجل مشاهدة تلك النجمة أو منافستها، وتحير البعض فى محاولة لإجلاء الحقيقة عن من هى التى تحقق إيرادات أكثر؟
فى لحظة قررت نادية أن تضرب نبيلة فى مقتل تؤكد للجميع أنها الأكثر شعبية فى الشارع فأطلقت على نفسها لقب نجمة الجماهير، بالتأكيد لم تسأل الجماهير قبل أن تنتزع هذا اللقب بل اعتبرت نفسها هى المعبر الوحيد عن أراء وطموحات ورغبات الجماهير فنصّبت نفسها نجمة لهم وعليهم، نزل الخبر كالصاعقة على نبيلة خصوصا أن كلًا من النجمتين لها فريق فى الإعلام يدافع عنها ويبحث عن القطط الفاطسة فى الأخرى، لم تستسلم نبيلة للهزيمة بل قررت أن ترد الصاع صاعين واللقب بأنقح منه، تفتق ذهن نبيلة أو ربما من معها على أن تطلق على نفسها اسما يطيح بالأخرى أرضا، وبعد أن كانت توزع شربات الفوز بسبب ضربتها المباغتة تُنزل بها هزيمة نكراء تجعلها تحيل شادر الفرح إلى سرادق عزاء، وأكواب شربات الورد إلى فناجين قهوة سادة، متمثلة قول الشاعر «إنى وإن كنت الأخير زمانه لآت بما لم تستطعه الأوائل» فأطلقت على نفسها لقب «نجمة مصر الأولى» لو تأملت قليلا اللقب ستكتشف أن نبيلة باختيارها تعبير «الأولى» تسبق نجمة الجماهير جماهيرية.
وتبددت مع الأيام طاقة النجمتين فى معارك كلامية، ما نعيشه الآن على الساحة السياسية يذكرنى بهذا الصراع، جبهة أطلقت على نفسها إنقاذ وطنى وهو كما ترى لقب يقترب كثيرا من نجمة الجماهير فهم المنقذون فى اللحظات الأخيرة ولا بد أن لديهم شباك تذاكر -أقصد جماهير- وضموا عددا من العناصر المتناقضة فكريا وسياسيا وبعضها ملوث بالتواطؤ مع فساد مبارك ومباركة توريث الحكم، وحظهم العاثر أننا نعيش فى زمن التوثيق، وكله على «اليوتيوب» حتى المواطن حمادة صابر اكتشفنا أنه له ماضٍ موثق، ولم يستطع أن يتخلص من مشاركته مع متظاهرى «آسفين يا ريس».. جبهة الإنقاذ تحتاج إلى منقذ ينقيها من تلك الأسماء ومن هذا الاتهام الذى يطاردها بأنها تسعى للكرسى بدعوى أنها نجمة الجماهير.. ماذا يفعل الآخرون الذين هم خارج تلك الجبهة قرروا إنشاء جبهة أخرى هذه المرة على طريقة نبيلة عبيد اختاروا اسمًا يحمل فى أعماقه بعدا أخلاقيا يتفوق على الإنقاذ ولا يمكن أن يرفضه أى إنسان أنه الضمير، نعم الضمير الذى يعلن الجميع أنهم لا يملكون غيره، كلنا فى حاجة إلى أن تصحو الضمائر لإنقاذ مصر، لكنهم مثل جبهة الإنقاذ وقع اختيارهم على شخصيات تشغل مواقع قيادية فى حزب الحرية والعدالة وفى تنظيم الإخوان ويسعون من أجل تمكين النظام من مفاصل الدولة فكيف لهؤلاء أن يواجهوا السلطة وهم فى واقع الأمر السلطة، إنهم كما يبدو من الإعلان ضد هؤلاء وهؤلاء فهل سيدينون أنفسهم.. جبهة الضمير تقول إنها ستعمل لخير مصر سيتوجهون لحل مشكلات الناس سيواجهون المتحرشين بالوطن، كلها شعارات براقة لكنها بلا آليات للتنفيذ تشبه بالضبط وعود المئة يوم التى أعلنها مرسى ولم ينفذ منها شيئا.
مصر تعيش الحيرة، لدينا رئيس منتخب إلا أن شعبية الإخوان الآن فى الحضيض لا تؤهله أن يفتح صدره للمرة الثانية، فتحة الصدر تعنى هذه المرة أن يقرر إجراء انتخابات رئاسية مبكرة تؤكد شعبيته أو تبعده عن سدة الحكم وهو لن يفعلها، وجبهة الضمير لن تجرؤ أن تقولها له.. الجبهتان إنقاذ وضمير، الأولى تحتاج إلى من ينقذها والثانية كان على أصحاب الضمائر من أعضائها أن لا يشاركوا فيها حتى لا يمنحوا غطاءً شرعيا لمن فقدوا ضمائرهم.
لا الإنقاذ إنقاذ ولا الضمير ضمير ماذا نفعل؟.. نعود إلى تكملة حكاية نجمة الجماهير ونجمة مصر الأولى لم تستطع أى من النجمتين البقاء على القمة، فسرعان ما انفض عنهما الجمهور.. ما الذى تبقى من النجمتين؟ كليهما لديه لقب تبدو مضطرة لحمله على كتفيها وللدفاع عنه بعد أن تجاوزهما الحاضر، فلا الأولى أولى ولا نجمة الجماهير لها جماهير، والإنقاذ يغرق والضمير يموت لحظة ولادته.