بعد عرض 9 من أفلام المسابقة الـ19 حتى أمس الأول الأحد، وحسب الاستفتاء الوحيد للنقاد الذى نشر فى عدد أمس الاثنين من النشرة اليومية لمجلة «سكرين إنترناشيونال» البريطانية، جاء الفيلم التشيلى «جلوريا» إخراج سباستيان ليلو فى المركز الأول (3 .4)، وكان الوحيد الذى حصل على أربع نجوم من أربع من النقاد الثمانية، ويليه الفيلم النمساوى «الجنة الأمل» إخراج أولريش سيدل (2.1)، ثم الفيلم الكندى «فيك وفيلو شاهدا دباً» إخراج دنيس كوت (2).
كل الأفلام السبعة الأخرى لم تصل إلى درجتين، وهو تقدير ضعيف جداً، وجاء الفيلم الأمريكى «الموت الضرورى لشارلى كونترمان» إخراج فريدريك بوند فى المركز الأخير، بل الوحيد الذى حصل على أربعة أصفار. ومن الواضح أن اختياره كان أساساً لاشتراك الممثل الدنماركى مادس نيكلسن فى تمثيله، وهو الآن نجم أوروبا الصاعد فى هوليوود.
والاستفتاء الذى يشترك فيه ثمانية نقاد من ألمانيا والدنمارك والبرازيل وبريطانيا والولايات المتحدة، ليس أكثر من مؤشر على مستوى المسابقة، فالنقاد يختلفون، وهذا طبيعى، ولكن اختلافهم يصل إلى حد التناقض الكامل أحياناً، فالفيلم الكندى حصل على تقديرات ضعيفة وصلت إلى الصفر فى رأى أحدهم، ولكن ما رفعه إلى المرتبة الثالثة حصوله على أربع نجوم فى رأى ناقد آخر، وبذلك اشترك مع الفيلم الأمريكى صاحب الأصفار الأربعة من ناحية، ومع الفيلم التشيلى الوحيد الذى حصل على أربع نجوم من أربعة نقاد.
ثلاث نشرات
تصدر فى مهرجان برلين هذا العام ثلاث نشرات يومية باللغة الإنجليزية، نشرة مجلة «سكرين إنترناشيونال» البريطانية، ونشرتان عن «فارايتى» و«هوليوود ريبورتر» الأمريكيتين، والثلاث أهم صحف صناعة السينما فى العالم، واهتمامها بالصدور فى مهرجان برلين يعكس النجاح المتزايد لـ«سوق الفيلم الأوروبى»، وهى سوق دولية بكل معنى الكلمة رغم اسمها الذى يقصرها على أوروبا.
اهتمام كبير بالفيلم المصرى
ولا تشترك فى السوق من العالم العربى هذا العام سوى دولة واحدة هى قطر عبر مؤسسة الدوحة للسينما، وذلك رغم عدم وجود أى أفلام قطرية فى أى من برامج المهرجان، مما يؤكد وجود سياسة ناجحة للنهوض بالسينما فيها.
ورغم عرض الفيلم المصرى الروائى الطويل «الخروج للنهار» إخراج هالة لطفى فى برنامج «الملتقى»، فإنه لا يوجد مكتب يمثل السينما المصرية فى السوق. وكان الواجب على المركز القومى للسينما وغرفة صناعة السينما التواجد واستغلال عرض فيلم مصرى للترويج للفيلم وللسينما فى مصر بصفة عامة.
وهناك اهتمام كبير بفيلم هالة لطفى، حيث يعرض خمس مرات، بل إنه الفيلم الوحيد الذى يعرض للصحافة فى آخر عروضه يوم السبت القادم. ففى كل يوم هناك أفلام عديدة تعرض للصحافة، ولكن فيلمنا الوحيد الذى يعرض يوم السبت. كما نشرت «فارايتى» مقالاً نقدياً عن الفيلم للناقد جى ويسبيرج فى عدد الجمعة الماضى من نشرتها اليومية، ثانى أيام المهرجان الذى شهد أول عروض الفيلم.
روسيا قبل الثورة
تعمل مهرجانات السينما الدولية الكبرى على اكتشاف مواهب جديدة من مخرجى الأفلام، وتتابع عرض أفلامهم بحيث يعتبر المخرج من «أبناء» المهرجان.
وقد شهدت مسابقة برلين عرض الفيلم الروسى «حياة مديدة وسعيدة» إخراج بوريس كليبينكوف، وهو من «أبناء» برلين، حيث سبق عرض فيلمه الروائى الطويل الأول «كوكتيبل» الذى أخرجه مع ألكسى بوبو جريبسكى فى «الملتقى» عام 2004، كما عرض فيلمه «إنقاذ مجنون» فى «الملتقى» أيضاً عام 2009، وها هو يصل إلى المسابقة.
ولد كليبينكوف عام 1972 وتخرج فى معهد السينما فى موسكو عام 1997، أى أنه من الجيل الأول من مخرجى السينما الروس بعد سقوط الاتحاد السوفيتى عام 1991. وقد لقى «كوكتيبل» نجاحاً ملحوظاً، وأصبح من الأفلام التى تعبر عن ذلك الجيل.
ويبدو فيلم «حياة مديدة وسعيدة» الذى كتبه مخرجه مع ألكسندر رودنيوف مثل الأفلام الروسية التى صنعت بعد الثورة الشيوعية عام 1917 من حيث موضوعه، فهو عن الفلاحين الفقراء فى قرية من قرى شمال روسيا اليوم، والذين يخضعون لسيطرة صاحب الأرض، ويتمردون عليه عندما يوافق الإدارة المحلية على بيع المزرعة، ويعرضهم للمزيد من البؤس.
يبدأ الفيلم وينتهى بلقطة لمنظر طبيعى للمزرعة التى تطل على البحر، وفى المشهد الأول نرى الشاب ساشا (ألكسندر ياتشينكو) فى الفراش مع صديقته آنيا (آنا كوتوف)، وفى المشهد الأخير نعود إلى نفس المشهد، ولكن بعد أن تغيرت العلاقة بينهما من النقيض إلى النقيض، وبعد أن قام ساشا بمذبحة أطلق فيها الرصاص على ضابط شرطة وموظفين كبيرين من العاملين فى الإدارة المحلية وقتلهم جميعاً، وأصبح ينتظر القبض عليه، مما يعبر عن قدر من السخرية فى عنوان الفيلم عن الحياة المديدة والسعيدة.
ويعانى الفيلم من مشاكل درامية كبيرة، فليس هناك مبررات كافية للقتل، وهو أكبر الكبائر، وهناك التباس فى العلاقة بين ساشا والأرض، فلا تدرى هل هو مالكها أم مؤجرها من الإدارة المحلية، وما الغرض بالضبط من الضغط عليه لكى يتنازل عنها، ولا تفسير لتركه المدينة وفضل إدارة المزرعة، وتعمل صديقته سكرتيرة فى الإدارة المحلية، وتساهم فى الضغط عليه للحصول على المال الذى يكفى لشراء شقة فى المدينة يعيشان فيها معاً، ولذلك تقنعه بالموافقة، وتغضب منه عندما يتراجع بعد رفض الفلاحين، وهم بدورهم يتراجعون عن موقفهم، بل يقول أحدهم «كان لا يجب أن تستمع إلينا»!
ويتميز الفيلم بأسلوب الإخراج الواقعى المتطور، حيث تم التصوير بالإضاءة الطبيعية، وقام به مدير التصوير بافل كوستو ماروف الذى سبق أن فاز فى برلين، وتم استبعاد الموسيقى تماماً، واختيار ممثلين من الوجوه العادية التى يمكن أن تلتقى بها على أى ناصية فى أى شارع. ورغم أن مدة الفيلم 77 دقيقة، وهو أقصر أفلام المسابقة، إلا أنه لم يخل من دقائق زائدة. إنه فيلم حزين يعبر عن قلق بالغ إزاء الواقع وتجاه المستقبل، ولكنه يفشل فى التعبير عن هذا القلق.