هل يمكن أن نتصور أن تقوم مصر ممثلة فى رئيسها الإخوانى محمد مرسى، بتصرف ما دون موافقة الولايات المتحدة الأمريكية؟ دون أن يعطى البيت الأبيض ضوءا أخضر لهذا التصرف أو ذاك.. لا يمكن وبأى حال من الأحوال فمصر معلقة «من عرقوبها» بأمريكا، وهى حليفتها الدائمة فى منطقة الشرق الأوسط –إلى جانب إسرائيل طبعا، ولذا لن يكون صعبا بالمرة أن نفهم كيف تغيرت سياسة الإخوان وممثلهم فى الرئاسة محمد مرسى تجاه إيران فى الفترة الأخيرة، وتحديدا خلال القمة الإسلامية الأخيرة التى انعقدت فى القاهرة «من 6 إلى 7 فبراير»، فمرسى قام بنفسه باستقبال نجاد فى مطار القاهرة رغم أن الأخير لم يفعلها معه، حينما ذهب مرسى إلى إيران واكتفى نجاد وقتها بإرسال وزير الخارجية أكبر صالحى للقيام بالمهمة، وعقد الرئيس المصرى معه جلسة مباحثات قصيرة بالمطار، بعد ما كان مرسى يؤكد أنه لا علاقات جيدة مع إيران إلا بتغيير موقفها من النظام السورى والتوقف عن مساندة بشار تجاه شعبه.
وبعيدا عن موقف الأزهر وإمامه الأكبر أحمد الطيب من نجاد، وبعيدا عن محاولتى الاعتداء على رئيس الدولة التى تضم أكبر تجمع شيعى بالعالم «أمام مسجد الحسين وفى منزل القائم بأعمال السفير الإيرانى فى القاهرة»، كانت هناك حفاوة رسمية غير عادية بنجاد -أول رئيس إيرانى يزور مصر منذ عام 1979-، وهو ترحاب تم بمباركة أمريكية، تؤكدها تصريحات فيكتوريا نولاند المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية التى نشرتها الوكالات وقالت فيها: «نتطلع إلى أن تكون للرئيس المصرى محمد مرسى، أو أى شخص آخر لديه فرصة لرؤية أحمدى نجاد بادرة لتأكيد موقفنا»، وأشارت نولاند إلى الاتصالات التركية والمصرية مع إيران، وقالت إن الحكومة الأمريكية تعرف أن هذه الاتصالات تنقل للإيرانيين الرأى الأمريكى».
تصريحات نولاند تقطع أى شك فى أن هناك بادرة مصرية لاتخاذ موقف تجاه أى دولة دون موافقة أمريكية، كما أنها تؤكد أن حفاوة الإخوان بنجاد ليست محاولة إخوانية للفلتان من السيطرة الأمريكية، بل هى تأكيد وتوثيق لها، فهل كانت أمريكا مثلا غبية حينما أعطت القوات المسلحة المصرية طائرات «إف 16»، لتأتى بعدها مصر وتعمل على التقارب مع إيران؟، ومسألة قول نولاند بإنها تعرف ما يحدث فى الاتصالات التركية - المصرية مع إيران، تدلل عليه القمة الثلاثية التى جمعت بين مرسى والرئيس التركى عبد الله جول ونجاد على هامش القمة الإسلامية لمناقشة القضية السورية، وهى القمة التى قال بعدها ياسر على المتحدث باسم الرئاسة إن تعميق العلاقات مع إيران مرهون بمدى قبول الرأى العام المصرى للتقارب بين البلدين «لأن القيادات والحكومات تتحرك بناء على توجيهات الرأى العام».
رغم أننا لا نعرف أى رأى عام هذا الذى يستعين به مرسى فى توطيد علاقته بإيران، أو يعتمد عليه، ويقوم بناء عليه بتعميق أو قطع العلاقة -اللهم إن كان مرسى يعتبر مكتب الإرشاد والسفارة الأمريكية رأيا عاما- فالحقيقى أنه كانت هناك مظاهرات سلفية أمام مشيخة الأزهر تندد بإيران ونجاد وموقفه من سوريا، وكان هناك أيضا موقف مغاير تماما لترحاب مرسى بنجاد من قبل مؤسسة الأزهر، اتضحت تماما فى بيانها الذى ألقاه وكيل الأزهر الشيخ حسن الشافعى فى مؤتمر صحفى حضره نجاد وغاب عنه الطيب لأسباب غير معلنة، وإن كانت واضحة من مطالباته للرئيس الإيرانى بضرورة التوقف عن سب الصحابة وعدم التدخل فى شؤون الدول العربية -خصوصا البحرين- ورفض أى محاولات شيعية للتدخل فى شؤون الدول السُّنية.
نقطة أخرى تؤكد أن الضوء الأمريكى الذى أخذه مرسى من واشنطن لا يسمح له بتوطيد العلاقات أكثر من اللازم، وهى قول الرئيس الإيرانى إنه عرض على مرسى تقديم قرض مالى لمصر لأنها تعانى من متاعب اقتصادية -على حد وصفه وما نشرته جريدة «الشرق الأوسط»- لكن الرد جاء فاترا، وأشار نجاد إلى أن «هناك قوى خارجية تحاول منع التقارب بيننا».
ما حدث فى القاهرة تزامن فى إيران مع رفض المرشد الأعلى آية الله خامنئى أى حوار مع الولايات المتحدة الأمريكية تحت ضغوط، بعدما عرض جون بايدن، نائب الرئيس الأمريكى، على طهران إجراء محادثات ثنائية مباشرة حول البرنامج النووى الإيرانى، فى الوقت الذى قامت فيه أمريكا بزيادة العقوبات على إيران بأن أوقفت بعض الدول شراء النفط الإيرانى، وكذلك أوقفت بعض البنوك العالمية أى أعمال تجارية مع طهران.
قد يقول البعض إن الخلاف المصرى الإيرانى لن يحل فى يوم وليلة -وهذا صحيح- وإن العلاقات لن تكون فى أفضل حال لها بين البلدين مرة واحدة، لكن الواضح أيضا أن واشنطن لن تسمح إطلاقا بأن تكون هناك علاقة جيدة بين مصر وإيران، الدولة التى تعادى الأمريكان، كما أن هذه العلاقة ستضر بأى حال بأمن إسرائيل.. فهل ترضى أمريكا أن تضار تل أبيب؟، كذلك رد الفعل الإسرئيلى على جلسات الحوار المصرية الإيراينة جاء هادئا وليس به جديد، ولم تكن هناك أى تصريحات فى هذا الشأن من قبل قادة إسرائل، واكتفت الجرائد بتعليقات عادية أيضا مثل «يديعوت أحرونوت» التى قالت إن المحادثات بين مصر وإيران ستبوء بالفشل، وقال موقع و«الا» الإخبارى أن اللقاء بين مرسى ونجاد لا يخفى الكراهية بين البلدين بما يشير إلى أن تقارب مصر وإيران أمر متفق عليه ما دام أنه لن يخرج عن الحدود التى رسمتها إدارة أوباما.