قبل ثورتنا العظيمة، كتبت فى صحيفة «الدستور الأصلى» مقالًا بعنوان «شهادة زور»، بدأ هكذا: «ثمة عدد من الشهود لحادثة ضرب خالد سعيد حتى الموت، فعملية القتل تمت على الملأ، فى الشارع، وأمام الناس، وللأسف الشديد لم يتدخّل أحد لمنع وقوع هذه الجريمة البشعة، بسبب الرعب المتأصّل فى النفوس من رجال الداخلية. وعندما صدر التقرير الأول للطب الشرعى، وذكر أن الوفاة بسبب أسفكسيا الاختناق لانسداد المسالك الهوائية (وليس البلعوم) بلفافة بلاستيكية طولها 7.5سم وعرضها 2.5 سم، بها مخدر بانجو، وأن القتيل هو الذى حشرها فى فمه، لم يصدق الرأى العام هذا التقرير الكاذب، والذى صدر لكى يبرِّئ وزارة الداخلية من دم القتيل، وبعدما تكاثر الكلام هنا وهناك، تدخّل النائب العام، وأمر باستخراج جثة الشهيد بعد دفنها، وتشريحها مرة أخرى، بواسطة لجنة ثلاثية يرأسها كبير الأطباء الشرعيين د.السباعى أحمد السباعى، الذى خرج علينا فى نشرات أخبار تليفزيون الحكومة، ليؤكد أن هذه اللفافة هى سبب الوفاة، وكأنما عملية التشريح الأولى تركت اللفافة محشورة فى فم القتيل، حتى تجدها اللجنة الثلاثية!
وطبعًا الرأى العام لم يصدّق لجنة الكذب الثلاثية، وقد شكَّك رئيس الطب الشرعى السابق وغيره من الأطباء فى هذا التقرير «المسخرة»، لذلك ظهر د.السباعى على محطات التليفزيون الحكومية والخاصة، ليكرر كلامًا لا يصدّقه أحد، حتى إنه رد على سؤال عن فك الشاب وأسنانه، فأكد أن أسنان القتيل سليمة! بينما الناس جميعًا شاهدوا صورته وهى محطَّمة الأسنان!».
وقد تذكَّرت هذا المقال وأنا أستمع إلى وزير العدل المستشار أحمد مكى، وهو يقول إن الشهيد محمد الجندى مات فى حادثة تصادم، وليس من تعذيب الشرطة، مشيرًا إلى أن هذه المعلومة تستند إلى تقرير الطبيب الشرعى الذى شرَّح الجثة. فى حين أن د.عماد الديب مساعد كبير الأطباء الشرعيين، قال بعد حديث الوزير إن تقرير الطب الشرعى لم يصدر بعد! فما الذى دفع أحمد مكى للظهور فى التليفزيون، والإدلاء بهذه الشهادة؟!
وقد اعترف مصدران أمنيان لوكالة «رويترز» للأنباء، أن محمد الجندى توفّى نتيجة تعرّضه للتعذيب فى معسكر أمنى لمدة ثلاثة أيام. وكذلك ثلاثة شهود أكدوا للنيابة العامة تعذيب الجندى بمعسكر الجبل الأحمر، مما أدى إلى كسر ثلاثة ضلوع أمامية بصدره، وترحيل أربعة ضلوع بظهره، وكسر فى الجمجمة بسبب ضربه بآلة حادة.
وفى مداخلة هاتفية مع الإعلامى محمود سعد على قناة «النهار»، قال المتحدث إنه ترك جماعة الإخوان المسلمين منذ أيام بعدما رأى أفراد الجماعة يساعدون «الداخلية» فى القبض على المتظاهرين، وتعذيبهم فى معسكر الجبل، وإنه شاهد ما حدث مع محمد الجندى من ضرب وتعذيب.
وقد انتهى مقالى المذكور بهذه الكلمات: «وشهادة الزور هذه، ستلقى بصاحبها فى قعر جهنم، خالدًا فيها بإذن الله، فحماقة المرء قد تدفعه إلى أن يشترى دنياه بآخرته، أما أعظم الحماقات جميعًا فهو أن يبيع إنسان آخرته من أجل دنيا غيره».