لا يوجد أحد لا يعرف الغضب، ولا يوجد أحد لم يمر بأحاسيسه التي تبدأ من الضيق البسيط انتهاءاً إلى بركان من الثورة العارمة.. الغضب شيء طبيعي، وعادة ما يكون شيئاً صحياً ولكن وفق معايير معينة لأنه عاطفة بشري. وإذا وصل الإنسان إلى نقطة عدم التحكم يصبح مدمراً ويؤدى إلى مشاكل عديدة منها ما قد يصل مشاكل فى جودة الحياة العامة.
قال أحد الأئمة الكبار من استغضب فلم يغضب فهو كالحمار.. كما أن الشخص يصدر استجابة الغضب لإحساسه بالتعدي على كرامته الأمر الذي يؤدى إلى الرفض والصراع والخلاف، وهذا الصراع قد يكون له ثوابت حقيقية أو من الخيال.. وقد يكون له جذور فى الماضي أو نتيجة لخبرة حالية أو من المتوقع حدوثها فى المستقبل.
إن الغضب سلوك بشري فلقد غضب الأنبياء والمرسلون، وغضب الصحابة وأمهات المؤمنين، وهل ننسي شعور السيدة عائشة بعد حديث الإفك، وردها علي نبي الإسلام وهو ينقل إليها القرار الإلهي ببراءة الحميراء.. فأجابته في غضب إنما برأني الله ورسوله.
الغضب هو إحساس أو عاطفة شعورية إنسانية طبيعية يتملك صاحبه إذا شعر بالظلم الفادح، تختلف حدتها من الاستثارة الخفيفة انتهاءاً إلى الثورة الحادة قد يكون غضب فردي وقد يكون غضب شعبي جمعي.
وغضبة الشعوب قوية وانتفاضتها كاسحة ولا تنبع إلى عن ظلمٍ بين فادح وقع عليها ولا راد له إلا شعورهم بالإنتصار على من ظلهم وإن كان إنتصاراً معنوياً أو وهمياً.. أقول ذلك وعيني علي الشعب المصري بسلوكه الغاضب أحيانا في بعض مراحل تاريخه الطويل ودائماً في أخر عامين، كما أن تعبير جمعة الغضب الذي تكرر مراراً في عهد مبارك ومرسي مروراً بالمجلس العسكري هو في ظني أكبر علامات الثورة الشعبية وأكثر دلالاتها إيحاء بالشعور المصري العام.
لقد جاءت نظم ثم ذهبت، وسادت حضارات ثم بادت، وبرز زعماء ثم انصرفوا.. ولكن بقيت دائماً هي الأوطان تطل على مواكب التاريخ وترصد دورات الزمان، وبعضها لا يختفي أبداً ومصر من هذا النوع منذ فجر الانسانية حتي يقضي الله أمرا كان مفعولا..
لذلك في ٢٥ يناير ٢٠١١ وعندما غضب شعبها وأشعل النيران في كل ما يمثل النظام من مقار للحزب الحاكم وأقسام شرطة كانت تتم إنتهاك كرامة المواطنين داخلها، شعر الشعب أنه إنتصر على من ظلمه رغم أنه كان إنتصار معنوياً وعندما طالب برحيل النظام ثم رحل مبارك وحدة أحس الشعب أنه إنتصر وإن كان إنتصاراً وهمياً.
إن حق الشعوب الغضب والإحتجاج الذي قد يصل إلى ثورة شعبية مكفول في كل زمان ومكان كما أن صوت الشباب يجب الاستماع إليه.. بل ويتحتم ذلك لأنه صاحب الحق في المستقبل، فمن غير المؤكد أن أصحاب الشعور البيضاء والظهور المنحنية لن يعيشونه وليس مقبولا أبدا أن يضعوا هم خطوطه ويفرضوا علي الأجيال القادمة أسلوب حياتها.. المطلوب فقط هي النصيحة أو الرد في حال طلب الإستشارة والتي لن تكون ملزمة أو تبني فكرهم إن كان لديكم خيال مثلهم.
إن الشباب النقي الغاضب من حكم جماعة الإخوان ومندوبها في قصر الرئاسة على حق وفقاً لما تقترفه تلك الجماعة الأن من آثام في حق هذا الوطن.. هذا الشباب الذي لم تلوثه الحزبية ولم تحركه دوافع شخصية الهوى هو القادر دائما علي إعطاء القدوة وضرب المثل وتحقيق المصلحة لوطنه ولجيله بعيدا عن الأهواء الذاتية والأغراض الشخصية والمنفعة العابرة.. لذلك على النخب السياسية إن أرادوا مصلحة الوطن والذي يقف على شفا حفرة من الهاوية حين ترى تلك الظروف الصعبة التي يعيشها المصريون في الأيام الأخيرة أن تستدعي تلقائيا إرادة الشباب التي تحتاج إلي من يعززها ويثقل معدنها ويستخرج منها أفضل مافيها.. إما أن يتبنوا فكرة إسقاط النظام القائم الأن كلياً وإما أن يقدموا إليهم بديلاً يشعر به هؤلاء أنه إنتصاراً وإن كان معنوياً وهذا أضعف البدائل.
إن المعادلة صعبة للغاية لكن يجب أن توجدوا لها حلاً.. وعلى السلطة إن أرادة فعلاً مصلحة هذا الوطن أن تعي أن الخروج من الأزمة لن يكون إلا بحلول سياسية وإن وصل إلى الرحيل طوعاً.. فالأمن في ظل أوضاع يسود فيها الفساد ويشيع الفقر وتختفي العدالة الاجتماعية لايمكن أن يكون أبدا جزءا من معادلة متكافئة مع مجتمع رشيد يحلم لوطنه بمظاهر حكم ديمقراطي وسيادة القانون ويعاني من إنفلات أمني كلي لأن قبضة الدولة ليست قوية بالقدر الكافي.. لن يكون حلاً أبداً مهما كانت درجة القمع قد بلغت أشدها بل يفاقم الأمور لما هو أكثر من ذلك.
إننا في الحقيقة نطلب وضعا سياسياً متوازنا بين الجميع كلٌ قدر ما يمثله خلفية شعبية، فيه الحرية والاستقرار.. فيه الديمقراطية والأمان.. فيه التنمية والعدالة.. وليس ذلك أمرا مستحيلا علي المجتمعات المعاصرة.. بل إنه لن يسود الاستقرار بمنطق العدل وأن تنتعش الحرية في ظل الشعور بالأمن والأمان.